(قيد الترجمة حاليا الى اللغة العربية)
كلما جرى التطرق الى الديمقراطية المباشرة ، تذكر سويسرا على انها البلد الاقرب التي لديها ديمقراطية مباشرة في الحكومة . وبالرغم من احتفاظ سويسرا بمعالم من الديمقراطية التمثيلية (كأن يكون لديها برلمان منتخب) ، فهي تستخدم اشكال مختلفة من الديمقراطية المباشرة بشكل متكررعلى المستوى الوطني ، والكانتونات (المقاطعات) وعلى المستوى المحلي (البلديات) . تركز دراسة الحالة هذه على آليات واستخدام سويسرا للديمقراطية المباشرة .
خلفية تاريخية
للديمقراطية المباشرة تقليد قائم طويل الامد في بعض مقاطعات سويسرا ترجع الى القرن الرابع عشر. وعندما اصبحت سويسرا دولة فيدرالية في العام 1848 ، جرى تقديم ادوات الديمقراطية المباشرة الى المستوى الوطني ايضا . وقد قدم الدستور الفيدرالي مبدأ اجراء استفتاء اجباري لغرض تغيير الدستور ، اضافة الى مبادرة شعبية لمراجعة عامة للدستور . كما قدمت المزيد من حقوق الاستفتاءات في العام 1874 ، والمبادرة الشعبية للمراجعة الجزئية للدستور في العام 1891. وفي ما بين الاعوام 1848 وشباط 2004 تم اجراء 516 استفتاء ، في حين جرى تأجيل 244 مبادرة في ما بين 1892 وأيار/مايس 2004 .
اشـكال الديمقراطية المباشرة - المستوى الفيدرالي
يمكن استخدام آليات متعددة في الديمقراطية المباشرة على المستوى الفيدرالي في سويسرا . وتقع الآليات ضمن فئتين عريضتين : الاستفتاءات والمبادرات - ليس هناك شرط لأستخدام سحب الثقة في سويسرا ، إذ يمكن استخدام كل آليـــــة لتحقيق نتائج مختلفة ، ولها معالم تصميم بارزة .
الاستفتاءات
بشكل مخالف لما في بلدان اخرى ، ليست الحكومة في سويسرا هي التي تقرر على اجراء استفتاء حول موضوع ما ؛ والظروف التي تجري تحتها الاستفتاءات موصوفة بشكل دقيق في دستور البلاد .
الشكل الاول لآليــــة الديمقراطية المباشرة هي الاستفتاء الاجباري ، اي الاستفتاء الذي يستوجب من الحكومة ان تدعوا اليه لتعلقه بمواضيع سياسية هامة . وهذه المواضيع هي :
- مراجعة جزئية او كلية للدستور;
- الانضمام الى منظمة تخص الامن الجماعي اومنظمة ذات مستوى اعلى من مستوى الدول;
- تقديم تشريع فيدرالي عاجل تمتد صلاحيته لأكثر من سنة ، من دون الحاجة الى اساس دستوري (ينبغي تقديم مثل هكذا تشريع للتصويت عليه في خلال سنة واحدة بعد تبنيه من قبل البرلمان);
- المبادرات الشعبية لمراجعة كلية للدستور;
- المبادرات الشعبية لمراجعة جزئية للدستور في شكل مقترح عام سبق رفضه من قبل البرلمان;
- مسألة فيما اذا كان ينبغي اجراء مراجعة كلية للدستور ان لم يوافق كلا المجلسين .
تتطلب الانواع الثلاثة الاولى من الاستفتاءات الاجبارية اكثرية مزدوجة لتمريرها ، ذلك انها ينبغي ان تحقق اكثرية شعبية (اكثرية الاصوات المدلى بها في الاستفتاء) ، وفي ذات الوقت ، تحقيق اكثرية الاصوات في اغلبية المقاطعات . وتحتاج الثلاثة الاخيرة ، والتي تجري كجزء من عملية المبادرة الى اكثرية شعبية .
يمكن اجراء الاستفتاءات الاختيارية عندما تتعلق بقوانين فيدرالية جديدة او معدلة و / أو أحلاف دولية . ويجرى الاستفتاء التشريعي الاختياري عندما يتعلق بجميع القوانين الفيدرالية والقوانين الفيدرالية العاجلة والتي تستحق ان تكون نافذة لمدة اكثر من سنة . ويجرى الاستفتاء الاختياري على الاحلاف الدولية عندما يتعلق بالاحلاف الدولية التي ليس لها فترة محدودة ولايجوز انهاءها ، والاحلاف الدولية التي تمنح العضوية في المنظمات الدولية او تحوي احكاما تشريعية يتوجب تنفيذها بســـن قوانين فيدرالية للاستفتاءات الاختيارية ، حيث يدعى اليها اذا ماتم جمع 50,000 توقيع يدعم الاستفتاء في خلال 100 يوم ، او اذا طلبت ثمانية مقاطعات اجراء الاستفتاء ، ويجري تمريرها باكثرية شعبية . ولغاية العام 2004 ، لم ينجح ايا من الاستفتاءات الاختيارية تم طلبه من قبل مجموعة من المقاطعات ؛ وقد جرت المبادرة باول استفتاء في 16 ايار/مايو 2004.
المبـــادرات
يمكن استخدام المبادرات لاقتراح تغييرات على الدستور الفيدرالي . اضافة لذلك ، تبنت سويسرا في العام 2003 شكلا جديدا من المبادرة لتستخدم عند تعلقها بالانظمة القانونية الاكثر عموما . حالما يتم تقديم المبادرة ، يكون من المطلوب جمع عدد معين من التواقيع النافذة (أي تواقيع الناخبين المسجلين) لغرض اجبار المجلس الفيدرالي والبرلمان على اخذ المبادرة بالاعتبار واجراء الاستفتاء حول مقترح المبادرة .
يمكن ايضا اقتراح التعديلات على الدستور باستخدام آليتـيـن مختلفتين للمبادرة . الاولى وهي المبادرة الشعبية للمراجعة الجزئية للدستور ، وهذه تعطي الناخبين الفرصة لإقتراح مسـودة المراجعة لجزء من الدسـتور الفيدرالي . يجب ان يوقع 100,000 ناخب على المبادرة للتمكن من اجراء الاستفتاء على المقترح . كما تتطلب ايضا المبادرة الشعبية للمراجعة الجزئية للدستور دعمها بـــ 100,000 ناخب في المبادرة . في كلتا الحالتين ، ينبغي جمع التواقيع في خلال 18 شهرا من تقديم المبادرة .
واعتبارا من نهاية العام 2006 ، ستكون المبادرة الشعبية العامة متيسرة للناخبين السويسريين . يمكن استخدام هذه الآليــة لإجبار الاستفتاء على تبني مقترح عام سيجري تضمينه على المستوى الدستوري و / أو التشريعي ، بشرط جمع 100,000 توقيع دعـــما للمبــادرة .
كان ممكنا لغاية العام 2006 تقديم المبادرات في سويسرا كمقترح عام أو في معنى تبنيها اذا ما كان اجراء المبادرة ناجحا . وعلى اية حال ، وبعد تنفيذ المبادرة الشعبية العامة ؛ ستكون المبادرة الشعبية للمراجعة الجزئية للدستور مقبولة فقط في شكل مقترح بنص مكتوب (ينبغي اجراء المقترحات العامة المتعلقة بالدستور باستخدام المبادرة الشعبية العامة). وفي استجابة للمبادرات التي تلبي متطلبات عتبة الحد المطلوب من التواقيع ، يقوم البرلمان السويسري بتقديم النصح للمواطنين بتبني او رفض المقترح . اضافة لذلك ، تكون الحكومة قادرة ايضا على تشكيل مقترح معارض يدرج ايضا على ورقة الاقتراع . وتسمح كلمة "نعم-المزدوجة" للناخبين بالمصادقة على كل من المبادرة الاصلية وعلى استجابة الحكومة لها ، وتشير الى اي من الاجرائين يفضلون . ويجري تمرير الاجراء الذي يحصل على دعم اكثر .
اشكال الديمقراطية المباشرة - مستوى المقاطعات
ان استخدام الديمقراطية المباشرة هي اكثر اتساعا في مقاطعات سويسرا الـــ 26 (اي سلطات الدولة ). وعلى اية حال ، يختلف استخدام الديمقراطية المباشرة في ما بين المقاطعات ; ففي ما بين 1970-2003 اجرت زيورخ 457 ، بينما اجرت تيسينو 53 فقط (واجرت مقاطعة جورا 45 استفتاء فقط ، ولكنها انشأت بشكل رسمي فقط ، بالاستفتاء ؛ في العام 1979).
اضافة الى آليات الاستفتاء والمبادرة المستخدمة على المستوى الفيدرالي ، تستخدم الآليات التالية ايضا في بعض او كل المقطعات السويسرية .
بشكل مخالف لما هو عليه في المستوى الفيدرالي ، اعطت المبادرة التشريعية الفرصة لفترة من الزمن للناخبين في جميع ام المقاطعات لإقتراح اضافات على القوانين . ففي بعض المقاطعات ، يمكن استخدام المبادرة الادارية لتحتاج الى اجراء عمل معين ضمن الادارة العامة . (مثل بناء مدرسة جديدة او طريق جديد ). اضافة لذلك ، تعطي بعض المقاطعات الفرصة لإطلاق مبادرة المقاطعة ، وهي مبادرة لإجبار المقاطعة على ادراج الاقتراح ضمن جدول اعمال الجمعية الفيدرالية .
وتعطي جميع المقاطعات السويسرية الفرصة لإجراء استفتاءات تشريعية حول تشريع سبق تمريره من قبل برلمان المقاطعة ؛ وقد تكون هذه على اية حال ، اجبارية او اختيارية بحسب المقاطعة . ويمكن اجراء الاستفتاءات الادارية حول المشاريع العامة الرئيسية والتي ستتحمل مستويات عالية من النفقات العامة (ويمكن ان تقود الى زيادة الضرائب) ؛ وتدعى هذه احيانا بالاستفتاءات المالية. واخيرا ، يمكن اجراء الاستفتاءات الادارية على مواضيع الادارة العامة غير المالية المدرجة اعلاه .
خصائص استخدام الديمقراطية المباشرة في سويسرا
نسبة الاقبال
يعطى الناخبين السويسريين الفرصة للتصويت في الاستفتاءات الفيدرالية بمعدل اربع مرات في السنة . ومن الطبيعي ان يصوت الناخبون ايضا على عدد من المواضيع المحلية والخاصة بالمقاطعة في يوم الاقتراع الفيدرالي . وفي النصف الثاني من القرن العشرين ، تدنى الاقبال على الاستفتاءات الفيدرالية من حدود 50-70% ليصل الى معدل بحدود 40% ؛ وهذا يعكس تــدن ٍ مشابه في الاقبال على الانتخابات الفيدرالية من 80% ليصل الى حدود 45%. ومن الاراء التي تشير الى سبب هذا الاقبال المتدني نسبيا هو العدد الكبير من الاقتراعات التي يتمكن السويسريون فيها من التصويت عليها . ؛ وعلى اية حال ، ويعلل العديد بان هذا عائد الى ان نسبة عالية جدا من السكان هم ناشطون سياسيا اكثر مما يظهر في الرقم 40% ، طالما ان نسبة 40-45% من الناخبين المقترعين هم ليسوا نفس الاشخاص في كل فرصة استفتاء .
المواضيـــــــع
مع اخذ الفرص المتعددة بنظر الاعتبار في استخدام الديمقراطية المباشرة في سويسرا ، ربما قد لايكون مفاجئا ان تنوع المواضيع التي تجرى عليها الاستفتاءات هي متباينة الى حد كبير . وقد اجريت الاستفتاءات منذ العام 1990 على مواضيع متباينة مثل :
- حظر بناء محطات الطاقة النووية ;
- بناء سكك حديد جديدة في الألب ;
- دستور فيدرالي جديد ;
- السيطرة على الهجرة ;
- الغاء الجيــش;
- الانضمام الى الامم المتحدة ;
- تقليل ساعات العمل ;
- افتتاح اسواق الالكترونيات .
أثـــــــر الديمقراطية المباشرة
لقد لعبت الديمقراطية المباشرة من دون شك دورا رئيسيا في تشكيل النظام السياسي السويسري الحديث . الا انه مايزال من المهم مناقشة الاثر الحقيقي للديمقراطية المباشرة على المواضيع التشريعية ، ذلك انها في بعض الاقطار ، هي من مسؤولية الممثلين المنتخبين .
من قراءة واحدة ، قد يجادل المرء بان الأثــر كان محدودا : ففي القـرن الاول على استخدام المبـادرة (1891-2004) ، جرى تمرير 14 مبـادرة في سويسرا . ومع ذلك فان النظر الى هذه الاحصائية لوحدها ، يتجاهل الى حد كبير الاثر الغير مباشر للديمقراطية المباشرة . وبالرغم من فشل معظم المبادرات ، فلذلك تزيد الحملة من نشر الموضوع قيد الطرح ومن المعرفة العامة عنها . وقد قد يزيد الى حد كبير من الضغط على الحكومة لتقديم اجراءات تتعامل مع هذا الموضوع ، حتى لو لم يمكن مطلوبا بمقتضى استفتاء ناجح . لذا قد تكون المبادرة ناجحة في تحقيق بعض اهداف مؤيديها ، حتى لو لم تكن ناجحة من حيث تمريرها . ويفسر هذا التوجه لماذا يتم تقديم العديد من المبادرات ولكنها تسحب لاحقا ؛ بسبب اختيار الحكومة في بعض الاحيان ان تتخذ عمل قبل وصول المبادرة الى مرحلة الاستفتاء .
وهناك اثر آخر لآليات الديمقراطية المباشرة في سويسرا ، وهي اجبار الحكومة على السعي نحو اجماع اوسع حول الاجراءات في الانظمة (والدستور) ، ذلك انها تسعى الى تقديم اكثر مما هو عليه الحال في النظام التمثيلي البحت . ففي النظام التمثيلي ، يتوجب على احد احزاب الحكومة في غياب الاكثرية الكبيرة ، ان يحصل على توافق مع بقية الاحزاب على موضوع ما لغرض ضمان المصادقة على الاجراء . وفي النظام السويسري ، تجبر احتمالية الاستفتاء الاختياري الحكومة على ضمان التوافق او الاجماع بين المجموعات خارج البرلمان لغرض منع احتمالية سعي مثل هكذا مجاميع الى اسقاط التشريع الجديد .
وعلى العكس من ذلك ، غالبا ما تذكر اهمية الديمقراطية المباشرة في النظام السويسري كسبب لضعف الاحزاب السياسية السويسرية وقليلة الاهمية نسبيا فيما يتعلق بالانتخابات الاعتيادية . ويرجع هذا ، عند الاخذ بالاعتبار اهمية الديمقراطية المباشرة ؛ هو ان الاحزاب السياسية ليست مسؤولة لوحدها عن السيطرة على الاجندة الفيدرالية . اضافة لذلك ، غالبا ما تبرز الديمقراطية المباشرة مواضيع متداخلة والتي قد لايتفق عليها اعضاء الاحزاب السياسية .
روابط ومصادر مفيدة
المستشارية والمعلومات الفيدرالية السويسرية على قرص مدمج DVD
التـــالي: المسـاهمــــون
مواضيع أخرى من سلسلة "أضواؤ على ....."