أحكام قانونية خاصة متعلقة
بمجموعات الأقليات عند ترسيم حدود الدوائر الإنتخابية
تركز المعايير التي تحدد مبدأ
الإنصاف تجاه مجموعات الأقليات في الدول على نتائج الإنتخابات أكثر من عملية إعادة
تقسيم الدوائر نفسها، والأنظمة الإنتخابية التي تعتمد على الدوائر الفردية ليس بإستطاعتها
ضمان التمثيل النسبي أو حتى بعض النسب الضئيلة من المقاعد من أجل مجموعات الأقليات
السكانية الإثنية والعرقية والدينية وغيرها من الأقليات. وينطبق هذا الأمر
بالتحديد في حالة الأنظمة الإنتخابية التي تعتمد فقط على الدوائر الفردية عند إنتخاب
الممثلين (أي نظام "الفائز الأول" ونظام "التصويت البديل").
أما من ناحية أخرى، فنظام "قائمة التمثيل النسبي" والأنظمة المختلطة مثل
"النظام المتوازي" ونظام "تناسب العضوية المختلطة" بإمكانها
ملائمة متطلبات تمثيل الأقليات في سياق قوائم الأحزاب إن وجدت الرغبة لذلك.
وفي الأنظمة المبنية على
الدوائر الإنتخابية، يكون من الصعب جداً لناخبي الأقليات إنتخاب أعضاء مجموعاتهم
للمناصب التشريعية إذا حدث إستقطاب في الإنتخابات بين صفوف الأكثرية والأقلية. وفقط
في حال تخصيص مقاعد منفصلة لتلك الأقليات أو تخصيص دوائر إنتخابية خاصة لها سينجح
هؤلاء الناخبون في إنتخاب ممثليهم من تلك الأقليات. وقد قامت دول قليلة بوضع نصوص
قانونية من ذلك القبيل لضمان تمثيل الأقليات العرقية والإثنية والدينية في الهيئة
التشريعية، نذكر منها دول كرواتيا، وفيجي، والهند، وموريشيوس، ونيوزيلندا،
والباكستان، والمناطق الفلسطينية، وبابوا غينيا الجديدة، وسنغافورة، والولايات
المتحدة الامريكية.
أما بالنسبة لكرواتيا التي تتبع
نظام "قائمة التمثيل النسبي" في إنتخاباتها – مع وجود الدوائر الإنتخابية
التي عادة لا تتم إعادة رسمها – فهي تحتفظ
بدوائر معينة لأعضاء من أقليات (1) المجر، (2) التشيك والسلوفاك، و(3) الروثينيين
والأوكرانيين والألمان والنمساويين. بالإضافة إلى ذلك، هناك ثلاثة مقاعد مخصصة
للأقلية الصربية داخل الجمهورية الكرواتية.
وفي أنظمة "تصويت الكتلة
الحزبية" مثل موريشيوس وسنغافورة والمناطق الفلسطينية، يتم تخصيص عدد من
المقاعد من أجل الأقليات:
- سنغافورة
– يتم إنتخاب أغلب أعضاء البرلمان من خلال
نظام "تصويت الكتلة الحزبية" في دوائر إنتخابية ممثلة للمجموعات(GRC) المكونة من أعضاء متعددين. ويجب على الأحزاب
المتنافسة في ذلك النظام إقتراح قائمة مرشحين تتضمن على الأقل عضو واحد من الأقلية
الرسمية (مدرجين كالتالي هنود، وماليزيين، ويوروآسيويين، وغيرهم)، ومن ضمن الدوائر
الإنتخابية الممثلة للمجموعات، يختار المنتخبين من بين قوائم الأحزاب المغلقة،
والحزب الذي يحصل على أغلبية الأصوات يحصل على جميع مقاعد تلك الدائرة الإنتخابية.
- موريشيوس
– بالإضافة إلى الـ 62 ممثلاً المنتَخَبين من قبل الدوائر الإنتخابية الـ 21
المكونة من أعضاء متعددين، هناك 8 مقاعد كحد أقصى مخصصة من أجل "أفضل
الخاسرين"، ويتم توزيع هذه المقاعد بين أربع جاليات إثنية أو دينية معترف بها
دستورياً (الهندوس والمسلمين والصينيين و"الكريول") بغية لضمان وجود نوع
من التمثيل لتلك الأقليات.
- المناطق
الفلسطينية – يتم تقسيم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى 16 دائرة إنتخابية متعددة الأعضاء.
وفي إنتخابات عام 1996، حصل الحزب السياسي الحائز على أكبر عدد من الأصوات في
دائرة إنتخابية معينة على جميع المقاعد المخصصة في تلك الدائرة. كما تمّ تخصيص 6
كراسي في 4 دوائر إنتخابية (القدس وبيت لحم ورام الله وغزة) للسكان المسيحيين. أما
في منطقة نابلس، تمّ تخصيص كرسي إنتخابي للطائفة السامرية.
وفي الهند والباكستان، وهما
دولتان تطبقان مبدأ نظام "الفائز الأول" في الإنتخابات، تم عمل تخصيصات
خاصة للدوائر الفردية لضمان تمثيل بعض الأقليات:
- الباكستان
– هناك ثلاثة أنواع للمقاعد في الجمعية الوطنية: (1) 272 مقعداً عاماً؛ (2) 60
مقعداً مخصصاً للنساء؛ (3) 10 مقاعد مخصصة لغير المسلمين (الهندوس والمسيحيين
وغيرهم). يتم التصويت لممثلي المقاعد العامة على أساس الأغلبية البسيطة بناءً على
الـ 272 دائرة فردية. أما بالنسبة للمقاعد المخصصة للنساء، فهي تمتلئ على أساس
نظام التمثيل النسبي بناءً على عدد المقاعد العامة المكتسبة من قبل كل حزب سياسي
في شتى المقاطعات. أما المقاعد المخصصة لغير المسلمين، فيتم تعبئتها حسب نفس
النظام للتمثيل النسبي ولكن هنا تعتبر الدولة بأكملها دائرة فردية واحدة. ويتم إختيار
مرشحي النساء وغير المسلمين من قوائم مغلقة تقدمها الأحزاب السياسية.
- الهند
– هناك تخصيص لعدد معين من الدوائر الإنتخابية البرلمانية في كل ولاية لأعضاء
الطوائف الإجتماعية (الكاست) الهندية المقررة والقبائل المقررة، وذلك على أساس
نسبتهم من إجمالي عدد سكان الدولة. وفي الدوائر الإنتخابية المخصصة إمكانية الترشح
واردة فقط لأعضاء هذه المجموعات، وتتغير هذه الدوائر الإنتخابية المخصصة من عملية
إنتخاب إلى أخرى. بالمجمل، هناك 79 مقعداً برلمانياً مخصصاً للطوائف الإجتماعية
المقررة (الكاست) و41 مقعداً مخصصاً للقبائل المقررة.
انتقالاً إلى فيجي وبابوا نيو
غينيا اللتان تطبقان أنظمة الإقتراع البديل، لدى كلتاهما مجموعة مختلفة من المقاعد
للجماعات، وذلك لضمان تمثيل المجموعات الإثنية الكبيرة. ففي فيجي مثلاُ، تتكون الـ
71 دائرة إنتخابية تشريعية من 46 دائرة إنتخابية "للجماعات" و25 دائرة إنتخابية
"مفتوحة" (والتي فيها ممكن لجميع المنتخبين المؤهلين التصويت بغض النظر
عن العرق/الإثنية)، ويتم التصويت لأعضاء "الجماعات" كالتالي:
- 23
دائرة إنتخابية يتم إنتخابها من قائمة من المصوتين المسجلين كفيجيين أصليين، 19
دائرة تنتخبها قائمة من الناخبين المسجلين كهنود، ودائرة إنتخابية واحدة تنتخبها
قائمة من الناخبين المسجلين على أنهم "روتومان"، و3 منها تنتخبها قائمة
من الناخبين غير المسجلين إما كفيجيين أو هنود أو روتومان (هذه هي "القائمة
العامة للمنتخبين").
تمثيل الأقليات في الولايات
المتحدة الأمريكية
إضطرت الولايات المتحدة، نتيجة
لعدد السكان الكبير للأقليات العرقية والإثنية هناك وتاريخها الحافل بالإضطهاد ضد
بعض الأقليات، لمخاطبة قضية الإنصاف تجاه
الأقليات، وحصل ذلك بإصدارها لمخططات إعادة ترسيم الدوائر الإنتخابية. أعلن قانون
حقوق التصويت للعام 1965 وتعديلاته في العام 1982 أن أية خطة (لإعادة تقسيم الدوائر)
تساهم في إضعاف القوة الإنتخابية لناخبي الأقليات من خلال توزيعهم على دوائر إنتخابية
مختلفة تعتبر خطة باطلة، ومن أجل قبول تلك الأقليات كأقليات محمية، يجب على تلك
المجموعات (السود والإسبان والآسيويين والأمريكان الأصليين) الإيفاء بثلاثة شروط
تؤهلهم لتلك الحماية وهي:
- يجب
على المجموعة أن تكون كبيرة بشكل كافي ومدمجة جغرافياً لتشكيل أغلبية في أية دائرة
فردية؛ ويجب على المجموعة أن تكون متماسكة سياسياً (يجب أن تكون لديها مصالح سياسية
مشتركة)، كما يجب أن تثبت المجموعة أن منتخبي أغلبية السكان يصوتون ككتلة واحدة ضد
المرشحين المفضلين من تلك الأقلية، وأن هؤلاء المرشحين المفضلين من قبل الأقلية
غالباً ما يخسرون.
إذا استطاعت أية أقلية تلبية
هذه الشروط الثلاثة، يجب تشكيل خطة لإعادة ترسيم الدوائر الإنتخابية بطريقة
تسمح لناخبي الأقليات أن يشكلوا أغلبية الناخبين
في دائرة أو أكثر من الدوائر الإنتخابية. ويجب على الأقلية أن تثبت تلبية هذه
الشروط في إجراءات المحاكم. في الواقع، في سلسلة من قرارات المحكمة اللاحقة، قررت
محكمة العدل العليا للولايات المتحدة أنه يجب إعادة ترسيم الدوائر الإنتخابية ذات
طابع "الأكثرية – الأقلية" نتيجة لعدة اختصاصات قانونية قامت بتشكيل هذه
الدوائر طوعاً – أي دون أن يُطلَب من
المحكمة فعل ذلك – ولذلك يجب إعادة ترسيمها بغض النظر عن العرق أو الإثنية.
إن قانون حقوق التصويت يضمن بالحد
الأدنى الإنصاف العرقي والإثني في الولايات المتحدة، وهو حد أدنى لأن الأقليات
الوحيدة التي لديها الفرصة لتشكيل أغلبية في دائرة ما والتصويت لمرشح حسب إختيارها
هي فقط الأقليات التي استطاعت تلبية جميع الشروط الثلاثة. إن السود والإسبان
والآسيويين والأمريكان الأصليين بعيدين عن التمثيل النسبي لهم في الكونغرس
الأمريكي. والأقليات في نيوزيلاندا ممثلة بطريقة أفضل في الهيئة التشريعية هناك
وذلك بسبب وجود نصوص قانونية ذات فعالية أكثر.
تمثيل الأقليات في نيوزيلندا
هناك ميزة فريدة في النظام الإنتخابي
لنيوزيلندا وهي النصوص القانونية التي تقول بتمثيل المنحدرين من سكان الماوري (Maori) أي السكان الأصليين. بالإضافة لـ 60 دائرة
تشريعية عامة، تقوم هيئة التمثيل بتأسيس عدة دوائر خاصة للماوري (مثلاُ، تمّ تأسيس
خمس دوائر للماوري في العام 1993، وست منها في العام 1998، وسبع دوائر في العام
2001). دوائر الماوري هذه معرّفة جغرافياً وهي موزعة على الدوائر الإنتخابية
العامة. ومن أجل التصويت في دائرة تابعة للماوري بدلاً من دائرة إنتخابية عامة،
يجب على الناخب الماوري أن يقوم بالتسجيل في قائمة الماوري. إن التسجيل في تلك
القائمة اختياري، فبإمكان الماوري أن يقوموا بالتصويت في القائمة العامة بدل ذلك
حسب رغبتهم. وبسبب هذه الميزة الإنتخابية، تم تمثيل الماوري في الهيئة التشريعية
تقريباً على نفس النسبة التي يشكلونها في البلاد وذلك لأكثر من عقد من الزمن (من
أجل شرح مفصل أكثر حول هذا النص القانوني، أنظر الحالة الدراسية حول نيوزيلندا - إعادة
التوزيع الإنتخابي في نيوزيلندا).
خاتمة
إن الدول التي تقوم بترسيم
الدوائر الفردية لا تستطيع ضمان التمثيل النسبي للأحزاب السياسية التابعة للأقليات
أو مجموعات الأقليات الموجودة داخل حدودها، على الأقل ليس دون وجود نصوص قانونية
مخصصة لذلك الغرض أو عدد مقاعد إضافية يتم التصويت عليها على أساس قوائم حزبية.
بدلاً من ذلك، ممكن تبني معايير إعادة تقسيم الدوائر لضمان عملية عادلة ونزيهة
لإعادة التقسيم، وعلى الرغم من أن هذه الطريقة لن تنتِج بالضرورة التمثيل النسبي
أو حتى التمثيل الأدنى للأحزاب والمجموعات من الأقليات، إلا أنها تؤكد لنا أن أي
تحيز في تلك الحالة لم يتم بطريقة مقصودة.
تختار الدول التي تشهد إنقسامات
عميقة على أساس العرق أو الإثنية أو الدين شكلاً من أشكال التمثيل النسبي بدلاً من
الإعتماد على الدوائر الفردية لإنتخاب الممثلين. وبإستثناء الحالات التي تشهد
تركيزاً جغرافياً عالياً لمجموعة الأقلية أو يتم فيها تبني النصوص القانونية
الخاصة بتمثيل الأقليات، ستفيد النتائج الإنتخابية
النابعة عن الدوائر الفردية بعض المجموعات على حساب المجموعات الأخرى. وفي الدول
المنقسمة على ذاتها، قد يؤدي هذا الأمر إلى عدم الإستقرار بدلاً من تعزيز الحكومات
القوية والثابتة.