عادةً ما لا يتوفر الوقت الكافي للحوار والتفاوض في المراحل الانتقالية والتي تلي انتهاء الصراعات مباشرة. حيث يمكن أن تدفع التطورات السياسية الناتجة عن التوصل لاتفاق سلام أو عن سقوط نظام ديكتاتوري باتجاه إجراء انتخابات بأسرع ما يمكن. وبينما تبقى الكثير من الاعتبارات المتعلقة بنجاح وجودة الانتخابات الانتقالية ومعوقاتها بعيدة عن اختصاص هذا النص، إلا أن هناك بعض المسائل المتعلقة بتصميم النظام الانتخابي في هذه الظروف والتي لا بد من التطرق لها.
تحتاج النظم الانتخابية المختلفة إلى فترات زمنية متفاوتة لإعداد البنية التحتية الضرورية لتطبيق كل منها. فمسألتي تسجيل الناخبين وترسيم الدوائر الانتخابية، على سبيل المثال، من المسائل التي تحتاج إلى مزيد من الوقت لإتمامها، والتي من شأنها أن تفضي إلى صعوبات تمس شرعية العملية الانتخابية برمتها. فلو قام النظام الانتخابي على أساس اقتراع كافة الناخبين شخصياً، بحيث يتم استخدام إحدى الوسائل الشائعة للدلالة على قيام الناخب بالاقتراع والحيال دون ممارسته لذلك أكثر من مرة واحدة، فيمكن العمل بنظام القائمة النسبية على أساس دائرة وطنية واحدة تشمل كافة مساحة البلد، دون الحاجة لسجل الناخبين ولا لترسيم الدوائر الانتخابية. أما لو كان الخيار اعتماد إحدى نظم التعددية/الأغلبية على أساس دوائر انتخابية أحادية التمثيل، فسيتطلب ذلك إنجاز كلا الأمرين (السجل وترسيم الدوائر) قبل إجراء الانتخابات. وعلى أية حال فقد لا يكون النظام الانتخابي الذي يتم اختياره لتنظيم أول انتخابات انتقالية هو الأفضل على المدى الطويل، على الرغم من أن التغيير المستمر في النظام الانتخابي، بحيث لا يتمكن الناخبون ولا المرشحون أو الأحزاب من الاعتياد على النظام المعتمد في كل مرة، أمر غير مرغوب فيه كذلك.
عادةً ما يميل القائمون على التفاوض حول ماهية النظام الانتخابي وتفاصيله إلى جعله شمولياً إلى أبعد الحدود، مما يحدو بهم إلى تخفيف شروط المشاركة وعدم تعقيدها، سواء من خلال اعتماد شروط سهلة للترشيح أو من خلال اعتماد نظام لا ينطوي على نسبة حسم عالية (في شقيها القانوني/الرسمي أو الفعلي). وفي المقابل، فقد يعنى المفاوضون بالحد من تعدد الأحزاب السياسية وانسياقها خلف الاعتبارات الشخصية أو العرقية، مما يدفعهم نحو رفع شروط المشاركة وضبطها بشكل أكبر. إلا أن ظهور أعداد كبيرة من الأحزاب السياسية يبدو بأنه أحد الميزات الملازمة للانتخابات التي تعقب سقوط الأنظمة الديكتاتورية، لكن كثيراً منها لا تلبث أن تتلاشى بعدما تثبت فشلها في الانتخابات.
في حالات التحول نحو الديمقراطية في المجتمعات التي تعاني من جو سياسي هش ومنقسم، هناك الكثير من الأصوات المنادية بأفضلية البدء في تنظيم انتخابات محلية، ومن ثم الانتقال، شيئاً فشيئاً وتمشياً مع تحسن الظروف السياسية والمادية، إلى مستويات أعلى حتى الوصول إلى المستوى الوطني، كما تم طرحه في السودان على سبيل المثال. وفي حال اللجوء إلى هذا الخيار، فمن المهم بمكان تصميم النظام الانتخابي بما يفي بالمتطلبات السياسية للانتخابات المحلية وبشكل قابل للتطبيق أخذاً بعين الاعتبار الوقت المتوفر والظروف المحيطة.
وقد يكون لتمكين المهجرين واللاجئين من المشاركة في الانتخابات أهمية خاصة في حالات ما بعد الصراع. إذ نجد في التأثير البالغ لأصوات المهجرين واللاجئين في البوسنة والهرسك مثالاً حياً على ذلك. ففي انتخابات عام 1998، تم تسجيل ما مجموعه 314,000 ناخب للاقتراع من خارج البلد، من أصل حوالي مليوني ناخب، حيث تواجد حوالي نصفهم في كل من كرواتيا ويوغوسلافيا سابقاً (صربيا حالياً)، بينما توزع الباقون على 51 بلد آخر. وشارك 66 بالمئة من هؤلاء الناخبين بالاقتراع.