وفقاً لكل من النظرية
القانونية للانتخابات ، ومبادئ العلوم السياسية ، فإن "نظام تسوية المنازعات
الانتخابية" يشير إلى نظام الطعون الذي يمكن من خلاله الطعن بصورة قانونية في
كل عمل أو إجراء إنتخابي. ويمكن تقديم
الطعون القانونية المتعلقة بقضايا انتخابية أمام الهيئات القضائية أو السياسية. كما
يهف هذا النظام إلى
ضمان إجراء انتخابات منتظمة وقانونية تماماً. وتعتمد الانتخابات القانونية على اتخاذ التصويبات
القانونية لأي خطأ أو إجراء إنتخابي غير قانوني. ولذلك ، فإن هدف هذا
النظام هو ضمان حماية حقيقية وإنفاذ فعال
للحقوق السياسية المتعلقة بحق الإنتخاب أو
الترشح للإنتخاب. وللقيام بذلك ، فإن هذا النظام يضمن لجميع
المشاركين (من الأحزاب السياسية والمواطنين والمرشحين المستقلين) أن قرار الناخب
سوف يعلو ويسود . كما يساعد النظام في حماية بعض القيم التي تدعم كل عمل وكل إجراء إنتخابي بشأن
ما يلي:
• المشروعية ؛
• اليقين ؛
• الموضوعية ؛
• عدم التحيز ؛
• الأصالة ؛
• الوضوح ، و
• العدل والإنصاف.
ويستند النظام برمته على مبدأ رئيسي مفاده أن: الوكلاء القضائيين المسؤولين عن فرز
المخالفات الانتخابية يجب أن يتمتعوا بالإستقلالية والحياد والكفاءة من الناحية التقنية من أجل ضمان وصون القرارات
الدستورية.
ويعتبر نظام تسوية المنازعات الانتخابية في الديمقراطيات الحديثة أمراً
أساسياً لبناء أنظمة سياسية راسخة ومستقرة ، وإنشاء نظام قانوني منتظم أيضاً . كما
أن إسهام النظام في حماية الحقوق الأساسية وتعزيز الحكم الديمقراطي في أي بلد أمر واضح
للغاية.
وفي حقيقة الأمر ، فإن القرار القضائي في
حل المنازعات الانتخابية قد أصبح سمة أساسية في أية ديمقراطية انتخابية ، ليس فقط
بالنسبة لتلك البلدان التي تمر بمرحلة التحول والانتقال الديمقراطي ، بل إيضاً بالنسبة للبلدان التي يمكن اعتبار
الديمقراطيات فيها بأنها متطورة وناضجة.
ومن وجهة نظر تاريخية ، فإن التوجه الأولي ضمن النظام الدستوري الديمقراطي لتمكين
الهيئات الانتخابية النيابية في كل من أوروبا وأمريكا قد تم تحويله بحيث : يتم الآن فرز وتسوية الخلافات
الانتخابية من قبل المؤسسات القضائية.
وفي أمريكا اللاتينية
على سبيل المثال ، فقد تم إنشاء المحكمة الانتخابية الأوروغوائية، والمحكمة
التشيلية المُأهـِّـلـة للانتخابات ، في عامي 1924 و 1925 على التوالي. وفي العقود التي تلت تلك السنتين ،
خاصة خلال النصف الثاني والربع الأخير من القرن العشرين في إطار ما سـُـمِّي
" الموجة الثالثة "، فإن البلدان الأخرى في تلك المنطقة من العالم ، حذت
حذو المثالين في أوروغواي وتشيلي. كما أنشأت المكسيك المحكمة الإنتخابية الاتحادية
في السلطة القضائية عام 1996.
وفي أوروبا ، ومنذ عام 1879، عمل النظام البريطاني على تخويل نفر قليل من قضاة
الملك (حاليا الملكة) بالمنصة الملكية في محكمة العدل العليا لحل النزاعات
الانتخابية. وفي عام 1919 ، ووفقا لدستور البلاد، فوضت النمسا محكمة العدل
الدستورية بمثل تلك الصلاحيات. والى جانب ذلك ، خولت فرنسا مجلسها الدستوري بذلك في عام 1958 ، كما
عملت إسبانيا على تخويل سلطة المحكمة الدستورية في عام 1978 بهذه المسألة ، عندما جرى
إقرار وإدراج الحقوق المدنية في البلاد هناك.
كما عملت اندونيسيا على تمكين محكمتها
الدستورية بتولي صلاحية حل المنازعات الانتخابية في عام 2003.
ويمكن فهم مدى صلة المحاكم الانتخابية
المكلفة بالنظر في دستورية وشرعية الانتخابات بصورة تامة من خلال إلقاء نظرة على
بعض من أحكامها :
في المكسيك ، جرى الإعلان عن بطلان وإلغاء الانتخابات الهادفة لانتخاب كل من حاكمي (ولاية
تاباسكو، عام 2001 وكولوميا ، عام 2003 ) وتم فرض غرامات تاريخية على الأحزاب السياسية الوطنية (2003) . كما أبطلت المحكمة الأرجنتينية
العليا الانتخابات التمهيدية لحزب العدالة
(جوستيسياليستا) عام 2003. وقد صدر حكم من
المحكمة الانتخابية في باراغواي بتعديل النسبة المئوية وموقع آلات التصويت
الالكترونية المخصصة للإستخدام في الانتخابات العامة (2003). كما استعرضت المحاكم
الانتخابية في غواتيمالا ترشح الطموح الرئاسي لــِ "إفراين ريوس مونت- Efraín Ríos Montt" عام (2003) ، كما فعلت المحاكم
الانتخابية في فنزويلا بشأن استفتاء رئاسي بهدف عزل رئيسها من منصبه (2003-2004).
وقد لعبت محكمة العدل العليا في الولايات
المتحدة دوراً حاسماً في المنافسة الإنتخابية الرئاسية عام 2000، مما يستحق أن نتذكره أيضاً. وفي نفس الخط من التفكير، عملت المحاكم الاسبانية المكلفة بعمليات حل النزاعات
الانتخابية ، على إصدار قرارات هامة مثل اعلانها بعدم قانونية وعدم دستورية تلك
الأحزاب السياسية المرتبطة على ما يبدو بالجماعات الإرهابية عام (2003). كما تجدر
الإشارة إلى الدور الذي لعبته الوكالة المركزية للانتخابات بين يوم 11 مارس ويوم
الانتخابات عام (2004) . وقد عملت محكمة
العدل العليا للاتحاد الروسي على وضع تمييز هام جداً بين إذاعة ونشر معلومات عامة وبين الدعاية
الانتخابية (2003-2004).
وتثبت السوابق المتقدمة تماماً أهمية الدور
الذي لعبه كل من نظام العدالة الانتخابية وحماية الحق
الأساسي في انتخابات قانونية للمجتمعات الديموقراطية في القرن 21.
ويمكن القول أن الأنظمة القضائية لحل النزاعات الانتخابية قد أظهرت التمسك
بالمبادئ من منطلق حكم القانون ، مثل وجود
قضاة أو محاكم مستقلين ومحايدين ، ومخولين قانوناً ، ومسؤولين عن مراجعة الطعون
القانونية. وهذه المبادئ معترف بها من قبل القواعد الدولية التي تهدف إلى حماية
حقوق الإنسان ، مثل تلك الواردة في المادة 2 ، الباب 3 ، الفقرة أ) والفقرة 14 ، الباب 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق
المدنية والسياسية ، أو تلك الواردة في المادة 8 ، الباب 1 من الاتفاقية الأمريكية
لحقوق الإنسان.
ولا بد من القول أن من المفترض حتى في تلك
البلدان التي لم تخول المحاكم الانتخابية بصلاحيات مراجعة أنشطة المهام المذكورة
آنفا أن تعمل على القيام بالمهام المتقدمة الذكر. وهذا هو الحال في نيكاراغوا
وجمهورية الدومينيكان حيث تناط صلاحيات مراجعة الانتخابات في أجهزة تنفيذية لكنها مستقلة. وهذا هو الحال أيضا في الأرجنتين ، حيث يتم فرز بعض
الحالات من قبل الأجهزة التنفيذية ومراجعتها من قبل المؤسسات السياسية.