إن إدارة الانتخابات أمر أساسي ويتعين أخذها بعين الاعتبار في تصميم الإطار القانوني. وكلما كانت إدارة الانتخابات أكثر نجاحاً، كلما
كانت عملية الانتخاب نفسها أنجح بصورة عامة.
ولتحقيق إدارة إنتخابية فاعلة ومؤثرة، فإن ثمة بعض المتطلبات
التي يجب الوفاء بها، وهي على النحو التالي : أولا ، يجب أن يعمل التشريع الانتخابي على تفصيل كل مرحلة وكل نشاط ، وكل إجراء، للحيلولة دون وقوع أي خطأ أو مخالفة قانونية؛ وثانيا
، فإن السلطات الانتخابية يجب أن يتم تصميمها
وفقاً للخصوصيات السياسية والاجتماعية لكل بلد أو منطقة. كما يجب
على السلطات الانتخابية أن تمتلك الصلاحيات الدستورية لتنفيذ مهامها، والنهوض بواجباتهم في إطار المبادئ العامة الناظمة للعمليات الانتخابية، وهي: اليقين، والموثوقية
، والشرعية ، والاستقلالية، والحيادية، والموضوعية.
ويمكن أن ينظر إلى كفاءة وفاعلية أداء الإدارة الانتخابية بوصفها
عنصراً جوهرياً في أية انتخابات.
ومع وضع ذلك في الأذهان ، فإن المتطلبات المثالية التي يترتب على السلطات الانتخابية الوفاء بها قد جرت مناقشتها
بصورة أوفى تحت عنوان "المؤسسة
الانتخابية"، ويمكن إيجازها على النحو التالي :
• الأداء المهني والإستقلالية تجاه الحزب السياسي القائم في السلطة. كما
يترتب عليها معاملة جميع المتنافسين
بطريقة محايدة.
• كما يجب أن تكون الحيادية واضحة ومعروفة لدى كل مرشح باعتبارها إحدى السمات المميزة لتلك السلطات.
• يجب أن يكون أداؤها فعالاً ومؤثراً، كما يجب تزويدها بالكثير من الموارد المادية اللازمة
لتمكينها
من الوفاء بواجباتها.
• كما يجب أن يكون أداؤها مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً
بالإطار القانوني الذي يحكم وينظم وجودها.
كما يتعين التدقيق في مدراء الإنتخابات من قبل هيئة فاحصين دائمة
ومستقلة ، والتي يمكن أن تكون قضائية.
وفي العادة ، فإن الثقة ترتبط
بالسلطة. ولذلك ، فإن انخفاض مستوى ثقة
الجمهور في المؤسسات العامة ، يعني أن السلطات الانتخابية تصبح أقوى. ومثل هذا
الوضع لا ينطبق على الاتحادات الديمقراطية الموحدة. وفي واقع الأمر ، فإنه يمكن تجميع مدراء الانتخابات في فئات على النحو التالي:
• هناك بعض
البلدان التي تنيط صلاحية إدارة الانتخابات في المدراء التنفيذيين العاديين (على المستوى القومي أو
المحلي). وفي مثل تلك الحالات، فإنه لا يتم تعديل نظم المراجعة المنتظمة للتنفيذيين العاديين الذين ينظر إليهم على أنهم جديرون بالثقة، ومحايدون، وغير متحيزين.
•
كما أن هناك بعض البلدان التي يتم فيها
إنشاء مجالس انتخابية لمراجعة الإدارة الانتخابية التي يتولى مهامها الفرع
التنفيذي للحكومة. وعادة
ما تكون تلك المجالس غير مخولة بإدارة
العمليات الانتخابية.
•
وهناك بعض البلدان الأخرى التي يتم فيها تشكيل هيئات انتخابية محددة داخل إحدى
الأجهزة الحكومية التقليدية لتنظيم
الانتخابات.
•
كما أن هناك بعض البلدان
التي يكون مستوى ثقة الناس في السلطة متدنياً جدا حيث يتم النص في الدستور على ضرورة تعيين سلطات
انتخابية مستقلة. وهذه السلطات لا تحل محل
الإدارة الحكومية للانتخابات فحسب، بل أنها تحول دون أي نوع من التأثير الخارجي عليها
من قبل أي منظمة حكومية أخرى. وفي الحقيقة، فإنه يمكن النظر إلى هذه السلطات الانتخابية وكأنها
بمثابة "فرع رابع" للحكومة. ويعتبر
إنشاء سلطات انتخابية مستقلة بمثابة خطوة هامة نحو بناء إدارة انتخابية مستقلة،
ومحايدة، وموثوق بها من قبل الناخبين والأحزاب السياسية، على السواء.
ولا تعتمد فعالية ومصداقية أي سلطة انتخابية مستقلة على وجود موارد
مالية كافية فحسب، بل إنها تتطلب وجود
موظفين غير متحيزين ومستقلين للعمل لصالحها.
وتتطلب إدارة الانتخابات الديمقراطية وجود سلطات انتخابية مستقلة غير
حزبية ، وخالية من أي نوع من التحيز
السياسي. وتعتبر هذه
القضية جوهرية وفي غاية الأهمية خاصة بالنسبة للبلدان ذات النظام الديمقراطي الذي لا
يزال غير راسخ. ويعمل هناك مدراء الإنتخاب على استلام وتنفيذ القرارات الهامة التي قد تؤثر في نتائج الانتخابات. ولذلك ، فإنه يتعين النظر في توفير ظروف سياسية
محددة لتحديد من سيكون مسؤولا عن إدارة
الانتخابات، وما نوعية المؤسسة التي ستكون
مخولة للقيام بذلك.
ويتعين اتخاذ مثل هذه
القرارات التشريعية لتحديد حجم ونزاهة السلطات
الانتخابية، ومن أجل تحديد الذين سيتم
تعيينهم ، وكيفية تعييناتهم، وطريقة الاستغناء عن خدماتهم. وتعمل كل هذه المواضيع على
تحديد أداء السلطات الانتخابية. وتتطلب مسألة التكامل والتناسق في صفوف السلطات
الانتخابية ضرورة أخذ المسائل التالية بعين
الإعتبار:
الهيكل أو الشكيل
يجب أن يشتمل الهيكل الإداري على وكالة انتخابية عليا سواء كانت مركزية أم قومية.
كما يمكن هناك إيجاد بعض الوكالات الأدنى
منزلة على مستوى الولاية أو الإقليم. ووفقاً
لنطاق صلاحية الولاية الانتخابية، وتوسع شبكات الاتصالات، فإنه يمكن أن تكون هناك وكالات انتخابية في الضواحي والأحياء. ويمكن
للوكالات الانتخابية الوسطية أن تكون موجودة ما دام النظام الانتخابي، والوضع
الجغرافي، والكثافة السكانية هناك تجعل من
ذلك أمراً ممكناً. وعلى أية حال ، فإن من الأفضل العمل
على منع انتشار نطاق واسع لوكالات انتخابية هزيلة. وتنطوي الوكالات الانتخابية التافهة وغير
ضرورية على أثر مباشر بصورة مؤكدة: حيث إنها
تعمل بالفعل على زيادة الإنفاق الانتخابي.
ويتم تنظيم الهيكل الانتخابي حول نقاط التصويت أو مراكز الإقتراع التي تعتبر جوهر أي هيكل
انتخابي. ومن المهام الأساسية للإطار القانوني العمل على تعريف بصورة دقيقة
وواضحة من سيدرج في تشكيل نقاط الاقتراع ، وكيفية ارتباطهم بالمقر وبالسلطات
الانتخابية الأخرى. كما يتعين أن يبين الإطار
القانوني أيضا أي نوع من العلاقات سيكون لنقاط التصويت مع السلطات الحكومية في يوم
الانتخابات.
الصلاحيات والمساءلات
يتعين تبيان صلاحيات السلطات الانتخابية وطرق مساءلتها في التشريع
بصورة واضحة. وينبغي أن يبين التشريع المواضيع التالية : الهيكل وطريقة
التشكيل ؛ وكيفية انجاز المهام القانونية ؛ وكم عدد الضباط اللازمين لمباشرة السلطات الانتخابية لأعمالها؛ وإجراءات التصويت ؛ والعلاقات العامة ؛ وسائر
المتطلبات اللازمة لتنظيم تنفيذ الصلاحيات القانونية.
متطلبات التشكيل
طالما كان ذلك ممكناً، فإن من المستحسن تعيين أفراد مهنيين ممن يعرفون
الإطار القانوني الناظم لإدارة الانتخابات. وعادة فإنه يلزم على الأقل وجود بعض الأشخاص الملحقين في السلطات
الانتخابية من بين العاملين في المهن
القانونية. ويمكن استخلاص بعض المشاكل
التي تؤثر على السلطات الانتخابية في المستويات الأدنى من هذا الإحتمال المعقول. ويمكن للسلطات الانتخابية الملحقة من جانب ممثلي الأحزاب السياسية أن تتسبب أيضا في توليد بعض الإنتكاسات. كما يمكن تعريض الاستقلالية وحياد السلطات الانتخابية للخطر
من قبل مسؤولين أو قضاة معينين من جانب الحزب الحاكم. ويمكن العثور على حل معقول
في مثل تلك الحالات من خلال تمكين الأحزاب السياسية من التعبير عن آرائهم صراحة
أمام السلطات الانتخابية ، مع عدم إعطائهم أي صلاحية في لعب أي دور في حل المسائل الانتخابية على
الإطلاق.
كما أن تعيين الوكلاء السياسيين النزهاء مثل المنظمات غير الحكومية
وأعضاء السلطة القضائية في الحكومة لشغل
المناصب والوظائف الانتخابية ، يعتبر خياراً جيداً وصائباً.
فترات الخدمة
يجب أن تتسم السلطات
الانتخابية بالديمومة. وفي بعض البلدان فإنه
يجري استخدامها خلال فترة محددة من الزمن. ولكن دوام عملهم يصبح ضرورياً عندما يتولون
المهمة المتعلقة بسجل الناخبين. وفي مثل تلك الحالات ، فإن الأنشطة الدائمة للسلطات
الانتخابية يجب أن تكون بموجب تشريع
قانوني. كما يجب إنشاء مكتب لتسجيل
للناخبين وإبقائه على أتم أهبة والاستعداد
لمواجهة متطلبات كل عملية انتخابية. ولكن
السلطات الانتخابية الأدنى
منزلة، والقائمين على الإنتخابات في المناطق الإنتخابية
الصغرى أو العاملين في نقاط التصويت ليسوا دائمين، حيث يجري فتح مقار عملهم في
بداية الفترات الانتخابية ، وإيقافها عن العمل فور التحقق من صحة النتائج النهائية للإنتخابات.
ومن الأفضل تجديد تعيين أعضاء
المنظمات الانتخابية بصورة جزئية. وليس من الحكمة أبداً الاستمرار في تجديد تعيين كامل لجميع أفراد السلطات
الانتخابية في كل مرة من المرات
الانتخابية. وفي الحقيقة، فإن الخبرة تساعد في
رفع مستوى إنتاجية المؤسسات العاملة في الحقل الإنتخابي. كما أن جميع الإجراءات والبديهيات
الداعمة للتعيينات والمحاسبة على التقصيرات
أو الخيانة يجب تحديدها وفقاً لتشريعات
قانونية من أجل تحصين أفراد السلطات الانتخابية وردعهم عن الوقوع في شرك أي نوع من
الضغوط السياسية التي قد يتعرضون لها. ولا
يجور تغطية أجور الموظفين العاملين في الإنتخابات
من قبل الحكومة. وتمنح بعض الدول الحصانة للمسؤولين عن الانتخابات لأداء واجباتهم.
التمويل
يجب الشروع في تدشين وتركيبة وظائف السلطات الانتخابية قبل الانتخابات التي تجري بموجب القانون. والى
جانب ذلك ، فإنه يجب توفير التمويل الكافي
لتنفيذ واجباتهم. كما يجب أن تشتمل الأطر القانونية على قواعد واضحة وموضوعية حول كيفية تمويل الأنشطة
الدائمة للسلطات الانتخابية ، من أجل الحيلولة دون أن تصبح الميزانية أداة سياسية يمكن إستغلالها
من جانب البرلمان أو الأحزاب السياسية أو
الحكومة ضد السلطات الانتخابية.
الصلاحيات والواجبات
يتعين تشريع صلاحيات السلطات الانتخابية وواجباتها بطريقة واضحة. وتسهم التشريعات الواضحة أيضا في توفير
رقابة أكثر فعالية على السلطات الانتخابية.
ويجب أن تكون السلطات الانتخابية مستقلة وشفافة ونزيهة. وفور الإعلان
عن تنصيب السلطة الانتخابية ، فإن عليها أن تؤدي واجباتها وتنفيذ صلاحياتها بطرق غير
متحيزة. ويهدف كل إطار قانوني إلى توجيه السلطات الانتخابية إلى الكيفية التي يجب أن يتم فيها تنظيم انتخابات
حرة ونزيهة. وعند إتمام القيام بذلك ، فإن على السلطات الانتخابية الشروع في أداء
واجباتها بطريقة محايدة وفعالة.
ومن بين الميزات الأساسية اللازم توفرها في السلطات الانتخابية ، فإنه
يمكن سرد بعضها على النحو التالي : أ)
الاستقلالية وعدم التحيز ؛ ب)
الكفاءة والفعالية ؛ ج) المهنية والشرعية والموضوعية؛ د) الوضوح .
ومع وضع كل ذلك في الأذهان، فإن
من الهام أن نلاحظ أنه عندما تصل سلطة انتخابية إلى مرحلة التنصيب ، فإنها قد تجد نفسها مضطرة للإجابة على بعض الأسئلة الناشئة من وجود هيئة
مستقلة، والتي قد تكون ذات صلة بالأموال المتوفرة
لديها.
و بطبيعة الحال ، فإن اختيار وكالة مستقلة عن السلطات التقليدية هي
الخطوة الصحيحة والأمثل بالنسبة للبلدان التي تمر بمرحلة سياسية انتقالية. ومع ذلك
، فإن مثل ذلك الاختيار قد يثير طرح بعض
الأسئلة على المدى الطويل. وكلما كان التحول الديموقراطي أكثر نجاحاً، كلما قلت الحاجة
إلى وجود سلطة انتخابية مستقلة. وهذا الوضع صحيح خصوصاً في حالة البلدان
التي ترسخ فيها نظام حقيقي من الضوابط والتوازنات التي تمثل وجود سيادة للقانون وتعزيز ثقة الجمهور
تجاه الهيئات العامة. والى جانب ذلك، فإن الحفاظ على بقاء سلطة انتخابية مستقلة في
ظل هذه الظروف قد يكون باهظ التكلفة.
وفي الحقيقة ، فإن السلطات الانتخابية تميل الى كونها مؤسسات بالغة
التكلفة. كما يمكن بالفعل النظر إليها على أنها تمثل أبواب صرف غير متناسبة مع
الإطار العام للخدمات العامة المقدمة لدافعي الضرائب. ولكن في بعض البلدان ، فإن الديموقراطية تعتبر قـَـيـِّـمة
للغاية، كما تعتبر الأموال العامة التي
تدفع للمؤسسات الانتخابية مـُبـَرَّرة. وعادة، لا يتم استعراض الانتخابات الناجحة من مجرد
وجهات نظر مالية. وهذا صحيح خاصة بالنسبة لتلك الحالات التي يتم فيها تمويل
النفقات الانتخابية عن طريق التعاون الدولي. ومع ذلك ، فإنه في حال تقدم العمليات الانتخابية في إستمرار وموالاة تحقيق النجاح، فإن الأنظمة
الديمقراطية تصبح أكثررسوخاً واستقراراً، كما تصبح التمويلات الدولية أكثر ندرة، وتصبح الموارد المالية متوافرة في موقع
مركزي. وفي ظل هذه الظروف، فإنه يتعين على
الدول الديموقراطية أن تسأل نفسها فيما إذا كانت النفقات الانتخابية مبالغاً فيها أم لا.