انتقاء المرشحين هي العملية التي تقوم من خلالها الأحزاب السياسية بتحديد من سيدرج اسمه على ورقة الاقتراع كمرشح عن تلك الأحزاب. أما طريقة تنفيذ ذلك فتحدد بشكل أساسي من خلال القواعد والإجراءات الداخلية التي يعتمدها الحزب لنفسه. وأما تسمية المرشحين فهي العملية القانونية التي تقوم السلطات الانتخابية من خلالها بتدقيق المرشحين المقترحين من قبل الأحزاب، وبإقرار ترشيحهم (أو رفضه) وبإدراج أسمائهم على أوراق الاقتراع.
يمكن نظرياً لآلاف الأفراد الترشح للانتخاب في كل عملية انتخابية، إلا أن ذلك قد يجعل من المستحيل على الناخبين الاختيار بينهم على أساس من الوعي والمعرفة. لذلك تقوم الأحزاب السياسية بدور هام وضروي كحارس وكوسيط يعمل على تقليص قوائم المرشحين إلى عدد مقبول وكاف منهم.
يمكن للأحزاب السياسية انتقاء مرشحيها بطرق مختلفة ومتعددة. وفي العديد من الحالات ينص الإطار القانوني على ضرورة انتقاء الأحزاب لمرشيحها بطريقة ديمقراطية، إلا أن ذلك المفهوم مبهم وغير واضح المعالم، خاصةً في ظل غياب أو قلة الضوابط والنصوص القانونية التي توضح ذلك. إذ أن التشريعات لا تحدد العملية والإجراءات التي يجب انتقاء المرشحين بواسطتها إلا في حالات نادرة.
هناك مفهومين أساسيين يجب التمعن بهما فيما يتعلق بمسألة انتقاء المرشحين من قبل الأحزاب السياسية: الأول هو مستوى المركزية، بمعنى تحديد أي من مستويات الحزب تسيطر على عملية انتقاء المرشحين، المركزي/الوطني، الإقليمي أم المحلي. أما المفهوم الثاني فهو مستوى المشاركة، بمعنى من يسيطر على عملية الانتقاء في كل مستوى، أهم الأعضاء العاديون أم القيادات الحزبية.
مستوى المركزية
في النظام المركزي المتطرف، عادةً ما تتخذ القرار حول انتقاء المرشحين وكالة أو هيئة حزبية وطنية، دون أية مشاركة من قبل الفروع المحلية للحزب. أما في الجهة المقابلة، فقد نجد بأن الفروع المحلية وعلى أدنى المستويات هي من تقرر حول انتقاء المرشحين، دون أن يتطلب ذلك أي إقرار أو مشاركة من قبل الحزب على المستوى الوطني. وكما هي الحال في الكثير من الحقول الأخرى، فالممارسة الأكثر شيوعاً في هذا المجال تقع بين هذين الطرفين للمعادلة.
يتم انتقاء المرشحين في معظم الأحزاب السياسية على المستوى المحلي، على الرغم من تأثير المستوى الوطني بدرجات متفاوتة في تلك العملية. أما ذلك التأثير فقد يتخذ شكل المبادرة الإيجابية من خلال تشجيع، أو توصية أو حتى إرغام الفرع المحلي للحزب على انتقاء مرشح ما، أو السلبية من خلال احتفاظ المستوى الوطني للحزب بحق الاعتراض على أي من المرشحين الذين يتم انتقاؤم على المستوى المحلي. وفي كلتا الحالتين، يجب على الحزب إيجاد توازن قد يصعب تحقيقه أحياناً بين استراتيجيات الحزب على المستوى الوطني والحساسيات المحلية.
مستوى المشاركة
تتمثل إحدى الحالات التي تتسم بأدنى مستوى ممكن من المشاركة في قيام قائد الحزب بمفرده باتخاذ كافة القرارات المتعلقة بانتقاء المرشحين. أما الطرف الآخر لهذه المعادلة فيتمثل في قيام الأعضاء العاديين للحزب بانتقاء المرشحين بشكل نهائي ودون أي تدخل أو مشاركة من قبل قيادة الحزب.
ويمكن ذكر النهج المتبع في الولايات المتحدة الأمريكية كمثال على الحالة الثانية، حيث يقوم الأعضاء (أو حتى كافة الناخبين المسجلين في بعض الولايات) بانتخاب مرشح أو مرشحي الحزب من خلال التصويت المباشر في انتخابات أولية (برايمريز). ويتم الانتخاب بين كافة المرشحين المتقدمين، ويتم تنفيذ عملية الانتخاب بإشراف من الحكومة، وخارج نطاق سيطرة الحزب نفسه إلى حد بعيد. وتضمن الحكومة إدراج اسم المرشح الذي يفوز بالانتخابات الأولية على ورقة الاقتراع دون غيره.
لقد اختارت أحزاب أخرى في العديد من البلدان اعتماد مستويات متفاوتة من مشاركة الأعضاء في عملية انتقاء مرشحيها، كالانتخابات الأولية التي يقوم الحزب نفسه بتنظيمها وتنفيذها، أو الانتخابات غير المباشرة حيث تقوم فروع الحزب المحلية بانتقاء وإرسال ممثلين عنها إلى المؤتمر الوطني للحزب.
ما هي العوامل التي تحدد عملية الانتقاء؟
يعتقد الكثيرون بتأثير عدة عناصر وعوامل في مستوى مركزية عملية انتقاء المرشحين ومستويات المشاركة فيها، كنظام الانتخابات، أو أيديولوجية الحزب، أو الثقافة السياسية السائدة أو كيفية تنظيم وإدارة الحكم في البلد المعني. إلا أنه لا توجد أية إثباتات على أن أي من تلك العوامل له تأثير كامل ونهائي في تحديد طبيعة تلك العملية.
قد يكون من الطبيعي أن تؤثر الهيئات الوطنية للحزب بشكل أكبر في عملية انتقاء المرشحين في النظم القائمة على وجود دوائر انتخابية تعددية (حيث يتم انتخاب أكثر من ممثل واحد عن كل منها)، في الوقت الذي قد تعطي النظم القائمة على أساس الدوائر الانتخابية الفردية تأثيراً أكبر للفروع المحلية للأحزاب.
وبنفس المنطق، فقد تعزز النظم الفدرالية من لا مركزية عملية انتقاء المرشحين، وقد تفضل الأحزاب السياسية التي تتبع إيديولوجيات أكثر انفتاحاً على المشاركة اتباع إجراءات تستند إلى مستويات أوسع من مشاركة الأعضاء في عملية الانتقاء، بينما قد تفضل الأحزاب السياسية في المجتماعات المعتادة على التركيبات الهرمية إجراءات غير تشاركية لعملية انتقاء المرشحين.
وعلى أية حال، فعادةً ما تختلط كل هذه الاعتبارات وغيرها داخل الأحزاب السياسية، الأمر الذي يجعل من الصعب الوصول إلى استنتاجات قاطعة. وحتى في الحالات التي تنص فيها القوانين على طريقة انتقاء محددة، فقد يصعب تحديد ما إذا كان القانون يحدد طريقة الانتقاء أو أن ذلك لا يعدو كونه مرآة تعكس ما يحصل على أرض الواقع.