طالما لم يحصل أي من الأحزاب السياسية أو التحالفات التي تم تشكيلها قبل الانتخابات على أغلبية عظمى من مقاعد البرلمان، فلا بد أن تخضع عملية تشكيل الحكومة إلى المساومات بين مختلف الأحزاب السياسية بعد الانتخابات. وتتفاوض الأحزاب السياسية التي لم تنخرط بتحالفات تسبق الانتخابات لتشكيل ائتلافات تضمن تشكيل حكومة تتمتع بدعم وتأييد غالبية أعضاء البرلمان. وخلال تلك المفاوضات تتباحث الأحزاب حول الحقائب الوزارية، وتوزيعها والبرنامج السياسي العام للحكومة.
لا يمكن التنبؤ دائماً بكيفية تأثير نتائج الانتخابات وتوزيع المقاعد المنتخبة في البرلمان الجديد على تشكيل الحكومة القادمة. فأية أحزاب سياسية تصبو لتشكيل الحكومة، وما هي التحالفات التي يمكنهم تحقيقها مع الأحزاب الأخرى والمرشحين المستقلين، وما هو مدى نجاحهم في عملية التفاوض في سبيل ذلك تعتبر جميعها عناصر تؤثر في تحديد شكل الحكومة الجديدة.
إحتمالات تشكيل الحكومة الائتلافية
-
كلما تقلصت المسافة أو الفارق الأيديولوجي بين الأحزاب السياسية، كلما ازدادت احتمالات اشتراكهم في تشكيل حكومة ائتلافية سوية. ففي هذه الحالة ستكون تلك الأحزاب أكثر قدرة على الاتفاق على السياسات، وستزداد احتمالات تأييد ناخبيهم لذلك الائتلاف.
-
يمتلك الحزب السياسي الذي يحتل موقعاً مركزياً في الفضاء السياسي قدرةً أكبر من غيره من الأحزاب على تشكيل ائتلاف حكومي مع عدد أكبر من الأحزاب. فهو الحزب الذي يمتلك أفضل موقع للمساومة من غيره، حيث أنه يمتلك خيارات أوسع وبدائل أكثر لتشكيل الائتلافات مع غيره من الأحزاب، وبذلك فهو المرشح الأكبر للمشاركة في الحكومة الجديدة. وهذا ما قد يؤدي في بعض الحالات إلى تمتع حزب صغير ما بموقع تفاوضي جيد وقدرة عالية على المساومة.
-
إذا اتسع الفارق الأيديولوجي بين الأحزاب السياسية الواقعة على أحد طرفي المعادلة السياسية فسيكون من الأصعب عليها تشكيل حكومة ائتلافية فيما بينها. وهو ما يعني تزايد احتمالات تشكيل حكومة أقلية كلما اتسعت الهوة الأيديولوجية بين الأحزاب المعارضة لها.
أهم العناصر المتعلقة بتشكيل الحكومات:
-
سيشارك الحزب الأكبر في البرلمان، على الأرجح، في الحكومة الجديدة، حتى ولو لم يمتلك ذلك الحزب الغالبية العظمى من مقاعد البرلمان بمفرده. وغالباً ما يقوم الحزب الأكبر في البرلمان بتسمية المرشح لمنصب رئيس الوزراء أو الحكومة.
-
يتطلب تشكيل الائتلاف الحكومي إلى تأييد من غالبية أعضاء البرلمان، لكن الأحزاب المشاركة في الائتلاف تتطلع إلى وجود أقل عدد ممكن من المنافسين على الحقائب الوزارية. لذلك فعلى الأرجح أن يتم تشكيل ائتلاف حكومي بتأييد الحد الأدنى الممكن من الأحزاب، حيث تحاول الأحزاب المشاركة الحصول على تأييد أكبر عدد ممكن من الأعضاء ولكن بمشاركة أقل عدد ممكن من الأحزاب.
-
عادةً ما تؤدي المباحثات المتعلقة بتشكيل الائتلاف الحكومي بالأحزاب السياسية المشاركة إلى توزيع الحقائب الوزارية والمناصب الحكومية فيما بينها توزيعاً نسبياً، استناداً إلى عدد المقاعد التمثيلية التي فاز بها كل من تلك الأحزاب. (غامسون 1961).
-
على العكس مما تقدم، فعادةً ما يلعب الحزب المبادر إلى تشكيل الحكومة الائتلافية (الحزب الحاصل على أكبر عدد من الأصوات والمقاعد عادةً) دوراً قيادياً في تحديد أجندة المفاوضات وقيادتها، وبالتالي فهو يوظف سلطته وقوته لمحاولة الحصول على أكبر قدر ممكن من المناصب والمكاسب.
-
قد تنعكس حقيقة وجود الحزب السياسي في السلطة من قبل (أي في الحكومة السابقة) إيجابياً على مشاركته في تشكيل الحكومة الجديدة. إذ تزداد احتمالات إعادة تشكيل الحكومة من قبل الحزب الحاكم، أكثر من احتمال تشكيلها من قبل حزب أو ائتلاف جديد، حتى ولو تساوت الأصوات التي حصل عليها كليهما في الانتخابات. وهو ما نلحظه بشكل خاص في الحالات التي يفوز فيها الحزب الحاكم بأغلبية مقاعد البرلمان.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مؤثرات أخرى من شأنها أن ترشد الأحزاب السياسية في مباحثات تشكيل الحكومات وعملية التفاوض:
-
قد يكون لبعض المواقف التي تسبق الانتخابات، كالتحالفات التي يتم التوافق عليها قبل الانتخاب، تأثير كبير على تشكيل الحكومة: فلو أعلن حزب ما صراحة عن نيته بتشكيل ائتلاف حكومي مع حزب آخر في حالة فوزه بأغلبية المقاعد، فستزداد احتمالات قيام ذلك التحالف أو الائتلاف بتشكيل الحكومة.
-
تميل بعض الأحزاب السياسية إلى استهداف مناصب وزارية محددة، كالأحزاب الاشتراكية التي تساوم للحصول على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مثلاً، أو الأحزاب الخضراء التي تفضل الحصول على وزارة شؤون البيئة.
-
في كثير من الأحيان يجب أت تؤخذ التطلعات والأهداف السياسية لأعضاء الأحزاب البارزين بعين الاعتبار.
-
في الواقع فقد تسيطر أهداف مختلطة على عملية تشكيل الائتلافات: فما يقود الأحزاب السياسية عادةً إلى المشاركة في الائتلاف الحكومي ليست فقط الاعتبارات أو الأهداف المتعلقة بالحصول على المناصب، ولا تلك المتعلقة بتحقيق سياسات تستند إلى أطروحات أيديولوجية بشكل صرف، بل خليط منها مجتمعة.