بغض النظر عما قد
تشكله الوحدة التي تستأثر بتركيز احتكار سلطة
المشاركة في العمل بفعالية، فإن البعض يرى عند تصميم الدولة ضرورة توسيع
اللامركزية لدى السلطة القضائية – السياسية،
أو في مجال نقل الصلاحيات أو السلطات وفقاً للمساحة المتاحة أو الصلاحية الإقليمية
لإنفاذ القانون. وبالتالي ، فإن من الممكن
التمييز بين درجات متفاوتة من اللامركزية في تلك السلطة بدءاً من المركزية الكاملة لتلك الصلاحيات المـُـخـَـوَّلة
لدى الهيئات الوطنية ، ووصولاً بها إلى مرحلة اللامركزية المطلقة في المؤسسات العامة، مما يمكنها من خلق وتطبيق القواعد القانونية في نطاق
وأطر صلاحياتها القانونية.
وبمعنى آخر ، فإن مسألة التطبيق المكاني للقانون ليست واحدة. ولذلك ، فإنه
بالاعتماد على الإقليم ، فإن هناك العديد
من الواضعين والمنفذين للقواعد القانونية.
وعلى مستوى الدولة ، فإن هناك خليطاً من الهيئات
المحلية والوطنية والاقليمية والمقاطعاتية والأقاليمية والمتمتعة بالحكم الذاتي ، وفي نهاية المطاف ، هناك
أيضاً هيئات الدولة المناط بها اختصاصات محددة أو حصرية، بناء على شكل أو نمط تشكيل الدولة نفسها. ويمكن تصنيف هذه الاختصاصات
على أنها معيارية عادية، أو إدارية أو قضائية
، وصالحة للتطبيق في كافة أراضي المنطقة بشأن موضوعات معينة (عندما تكون وطنية) ،
أو بخصوص أجزاء منها فقط.
وإنطلاقاً من منظور "سفلي - علوي"،
ومع الأخذ بعين الاعتبار لمختلف أسس تنظيم
التقسيمات الأقاليمية ، فإن يمكن تصنيف
الدول على أنها إما مركزية، أو وحدوية، إقليمية، أو مؤلفة من مناطق حكم ذاتي ، أو فديراليات اتحادية.
ونظراً لوجود أطراف أخرى إلى جانب الهيئات الوطنية، حيث هناك سلطات محلية
أو حكومية من الدولة أو الأقاليم ، وحتى سلطات من المقاطعات ، فإن نموذج الدولة
الاتحادية، يعتبر أحد أبرز درجات اللامركزية في السلطة القضائية - السياسية. وهذا
النمط من التعايش يعني أن يتم انتخاب كل طرف منها من قبل المجتمع ، بصورة مستقلة عن
بعضها البعض، ويحق للممثلين الممنتخبين العمل بصورة مطلقة في إطار ولايتهم، وصلاحياتهم
القانونية. ويندرج هذا النموذج في فرعين مختلفين من التفويض الحكومي على نفس الدرجة
من المساواة ، حيث هناك المستوى الاتحادي، من جهة ، ومستوى الولاياتي المحلي، من جهة ثانية. وفي
نطاق المستوى الأول، هناك قواعد سارية
على كل الأراضي في البلاد ، ويجري إصدارها وتطبيقها من قبل الهيئات الاتحادية ، وبالتالي فإن تلك
القواعد تكون مـُـصاغة ومـُـشكّـلة لجميع الناس الذين يعيشون في كافة أنحاء نأنحالبلاد . ومن ناحية ثانية ، فإن ثمة معايير محلية يتم
وضعها من قبل الهيئات المحلية مع أخذ الدستور الاتحادي بعين الإعتبار على الدوام ، ولكن لا
تصلح تلك المعايير للتطبيق إلا على جزء محدد
من التراب الوطني، وفي نطاق صلاحيات ضيقة للغاية.
ولا يجري تركيز السلطة في المركز فحسب ، بل
إنها تنسحب أيضا على المحافظات أو
الولايات المحلية. كما توجد هناك دوائر سياسية ومعيارية وإدارية وقضائية في إطار الولاية
والصلاحية القانونية. ويعمل توزيع أو خفض مستوى المركزية في السلطة السياسية، على
الإهتمام والأخذ بنظرية "الطرد عن المركز".
ولا تعني هذه الميزة أنه لا يجوز إعتبار الدولة بصفتها دولة فدرالية وطنية بصورة كاملة. وحتى لو أخذنا
بعين الاعتبار حقيقة وجود دستور وطني أو
اتحادي ، ووجود سلطات وطنية أو اتحادية (تشريعية وإدارية وقضائية) ، فإن هناك أيضا دساتير وسلطات خاصة بالولايات المحلية (بما
فيها التشريعية والإدارية والقضائية) وتعمل هذه بصورة مؤكدة
للتكيف مع الدستور الاتحادي الذي يحتوي
على جميع مبادئ وأسس الدولة الإتحادية أو الوطنية. وهذه الميزات تظهر لدى معظم
الدول الاتحادية. ومع ذلك ، فإنه قد تكون هناك بعض الدوائر المخصصة حصرياً للسلطات الاتحادية، مثل دوائر العدل، على سبيل
المثال.
ومن بعض الأمثلة على الدول الاتحادية هناك
ألمانيا والأرجنتين وأستراليا والبرازيل والولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك
ونيجيريا وفنزويلا.
ومن جهة أخرى ، فإن الدولة الإقليمية أو المتمتعة بالحكم الذاتي تعتبر شكلاً من
أشكال تنظيم الدولة الوطنية ، والتي من خلالها تعتبر بعض الإدارات العمومية،
والتنفيذية ، والوظائف المعيارية أو العادية متوافقة مع "الهيئات الإقليمية المعتمدة".
وبهذه الطريقة ، فإن بعض الدول مثل بلجيكا وإسبانيا والبرتغال ، وإيطاليا ، قد
عملت على تطوير مناطق ذات حكومات دستورية ذاتية بصورة مضمونة ومؤكدة، والتي تعتبر،
من زاوية منظور ضيق، أنها لا تتطابق مع بقية الولايات المحلية للدولة الاتحادية ،
أو الهيئات الإقليمية الثانوية للدولة الوحدوية.
ومن خلال الدستور الوطني ، فإن هناك بعض السلطات المركزية في هذه الدولة ، مع تخويلها
بعض الصلاحيات بسلطات ومهام جانبية. ومع ذلك، وبدون الإيحاء
أن ذلك قد يعني اعتباره بمثابة منح
جهات معينة لسلطات بصلاحيات لتصميم دساتير خاصة بها ، فإن ثمة بعض السلطات الإقليمية أو المحلية التي تشتمل على صلاحيات صريحة واستقلالية تشريعية واضحة. كما لا يوجد لديها مجلس تمثيل نيابي بأهداف لحماية مصالحها الإقليمية، ولا تشارك في عمليات
التعديل الدستورية ، ولا تتمتع بأية
سمات معترف بها على أسس الولاية أو الصلاحية القضائية.
ونظراً لاحتكار السلطة ، وبالإضافة لممارسة
الصلاحيات التي تميز السيادة العامة من قبل بعض السلطات الوطنية ، في إطار ما يسمى
الدولة المركزية الموحدة ، فإن السلطة السياسية تعتبر مركزية تماماً. ويتعين على كل
شخص يقع تحت سيادة الدولة أن ينصاع ويمتثل لنفس تلك السيادة دون غيرها، وللسلطات المركزية أو الوطنية فيها أيضاً ،
وبالتالي، فإن الجميع يخضعون لنظام دستوري
واحد ولنفس القوانين.
وعلى كل ، فإن تخفيض درجة اللامركزية في بعض الصلاحيات لصالح السلطات المحلية ، أو الجماعات ، أو
الإدارات الإقليمية، لا يتعارض مع الدولة الوحدوية. وعلى كل ، فإنه
بحكم أن السلطة المركزية هي الجهة الوحيدة
التي تتنازل عن الصلاحيات وتشرف على ممارستها
فيما بعد، فإنه لن يتم التوصل في تلك
الحالة إلى حكم ذاتي كامل. وحيثما تعمل السلطة الوطنية على تكديس السلطة العامة في قبضتها، فإنه يمكن القول،
أنها تعمل على صيرورة نظرية "الجذب
نحو المركز". وتعتبر بوليفيا وكولومبيا والاكوادور وفرنسا بعض الأمثلة على الدول الوحدوية.
ومع ذلك ، فإن هناك نموذجاً آخر من نماذج تنظيم الدول : ويتمثل ذلك في اتحاد الولايات
الكونفدرالية ، والذي لحق به مؤخراً نظام الدول الكونفدرالية أو الإتحادية. وتعتبر سويسرا في الطليعة بين تلك الدول الكونفدرالية. وفي مثل هذا النظام
، فإن الحفاظ على الحرية والسيادة والاستقلال للكيانات الكونفدرالية قبل السلطة
الوطنية يعزز ويقوي من مستوى الحكم الذاتي. وبالإضافة لذلك، فإن الكيانات تعتبر متساوية
بين بعضها البعض ، وبالتالي ، فإن لها الحق في الانفصال عن الدولة الكونفدرالية في أية لحظة، إن شاءت ورغبت
في ذلك.
ومن جهة أخرى ، فإن الاتحاد الكونفدرالي الذي ينشأ بين دولتين أو أكثر من الدول الوطنية
المستقلة، يهدف إلى تحقيق مطالب اقتصادية
مـُـرضية من خلال نشأتها وتشكلها. ويتم تنظيم ذلك في الأساس عن طريق معاهدات القانون
الدولي أو الاتفاقيات، كما هو الوضع في الحالة النموذجية للاتحاد
الأوروبي. ويقوم هذا الإتحاد على أسس التعاون ومبادئ
التنسيق فيما بين الدول الداخلة في الاتحاد، فضلا عن الدمج المجتمعي ونصوص قوانين
الدول المنضوية تحت لواء ذلك النظام. وبالإضافة
لذلك، فإنه من ناحية الشق الرئيسي المتعلق بالموضوعات الاقتصادية والتجارية، فإن ثمة بعض النواحي
الأخرى التي هي في صلب الكونفدرالية مثل تلك المسائل المتعلقة بالبـُـنى التحتية للاتصالات ، فضلاً عن التكامل الثقافي
والتكنولوجي والعلمي ، وتوفير المساعدة، ودمج الأنظمة الصحية ، علاوة على أمور أخرى عديدة.
وعلى الرغم من وجود هيئات مجتمعية ووطنية تتمتع
بخبرات متنوعة من الاختصاصات، فإنه يمكن
للهيئات المجتمعية أن تعمل على إصدار
قواعد نافذة بصورة مباشرة داخل منظومة القوانين المحلية للدول الوطنية. وفي بعض الحالات الأخرى ، فإنه لا بد من التحديد
المسبق لضرورة تبني واعتماد بعض الأنظمة واللوائح الداخلية حسب مقتضيات الأمور.
ومن ناحية أخرى ، فإن ما يميز دولة اتحادية عن دولة مركزية أو متمتعة بحكم ذاتي، يتمثل
في مستوى ودرجة اللامركزية فيها. كما أن ما يميز بين الدولة الإتحادية والأقطار
الدولية الأخرى، هو الفارق المتمثل في أن الأقطار
الدولية تستقي متطلباتها القانونية أولاً من
منظومة القوانين الوطنية لديها ، في حين
تقوم كونفدرالية الدول على أساس أحكام ومبادئ القانون الدولي.
وحيث أن السلطات التي يتعين انتخابها، وأطرها القانونية والتنظيمية، تتوقف كلها على نموذج الدولة ، فإن من الضروري
أن يتم الأخذ بعين الاعتبار لمختلف أشكال التنظيمات التي يمكن تبنيها واستيعابها. وفي
إطار الدولة الاتحادية ، فإنه يمكن العثور بصورة اتحادية على (سلطة تنفيذية تمثيلية أو نيابية، مع وجود رئيس
وهيئة تشريعية ، عادة ما تكون مؤلفة من
مجلسين أحدهما للشيوخ أي الإعيان، والآخر للنواب) مع وجود سلطات محلية ، وأخرى للدولة
أو المقاطعة. ويجري الإعلان عن تلك السلطات من خلال عمليات انتخابية يتم الحكم على كل حالة منها، من خلال قوانين مختلفة تشمل أيضا الهيئات والمؤسسات المسؤولة عن الإعداد للانتخابات ، إلى جانب وجود بعض المسؤولين
الآخرين المختصين في حل قرارات النزاعات الانتخابية سواء في الانتخابات المحلية أو الاتحادية منها، ولكنها تظل دائما معلقة ومرتبطة بالقواعد أو المبادئ المنصوص عليها في الدستور
الاتحادي. وعلى كل، فإن هذا الأمر لا يمثل عقبة كأداء في طريق السماح لهيئة مركزية بتنظيم الانتخابات وهيئة أخرى تكون
وطنية أيضا ، للعمل على فض النزاعات الناشئة عن العمليات الانتخابية المحلية والفدرالية،
وحتى المنازعات الناجمة على مستوى المقاطعات
الانتخابية.
وتعمل السلطات المركزية في دولة وحدوية على تصميم الإطار القانوني للانتخابات
الوطنية اللازمة لها ، وللسلطات الإدارية والمحلية أو الإقليمية الخاصة بها. وعلى
الرغم من احتمال وجود بعض السلطات المحلية
المسؤولة عن إدارة العملية الانتخابية المحلية ، في دولة إقليمية أو في كيان بحكم
ذاتي ، فإن السلطات الوطنية تحدد مسبقاً الأحكام التي يجب أن تلتزم بها المؤسسات والعمليات الانتخابية الوطنية والمحلية، على حد سواء.