تستهدف عادة القوانين التي تنظم تمويل الحملات الانتخابية
والمرشحين والأحزاب السياسية تحقيق بعضاً، أو كلاً، من أغراض السياسة التالية :
• ردع الفساد ، والتأثير غير المشروع للثروة الكبيرة والمصالح
الخاصة ، وسوء استخدام موارد الدولة، شراء الأصوات ، وغيرها من أشكال التزوير
الانتخابي ؛
• ضمان الإنصاف والعدالة في الموارد المالية المتاحة للمرشحين
والأحزاب (أي تسوية ميدان المنافسة ) ؛
• تشجيع المنافسة بين الأحزاب والمرشحين ؛
• الحد من الإنفاق العام على الحملات الانتخابية والنشاط السياسي
؛
• تشجيع الشفافية واطلاع الجمهور على معلومات حول تمويل الحملات
الانتخابية من خلال وضع متطلبات إعداد التقارير المالية ، بحيث تصل المعلومات الهامة
إلى الناخبين وإتباع قوانين ولوائح تمويل الحملات الانتخابية بشكل عام.
وتخدم أغراض هذه السياسة الهدف الأكبر وهو : تشجيع احترام العملية الانتخابية
والمؤسسات السياسية ، وتعزيز ثقة الجمهور بها.
إن الحاجة لردع الفساد هي المبرر الأكثر إستخداماً لتنظيم التمويل السياسي. وقد
يرى المجتمع أن العملية السياسية قد تصبح معرضة للنفوذ المتزايد وغير اللائق أو السري
للمال والموارد الأخرى. وتبعاً لذلك ، فإن المجتمع قد يحظر التمويل السياسي من بعض
المصادر (مثل المانحين الأجانب) وقد يعمل على الحد من مساهمات مصادر قانونية من ناحية
المبلغ الذي يسمح به من أية جهة مانحة واحدة لإعطائه إلى حزب سياسي أو مرشح. وقد يصبح
المجتمع قلقاً ومتخوفاً من أن عدداً من كبار المانحين أو أصحاب المصالح الخاصة قد
يتمكنوا من كسب النفوذ والتأثير المفرط على الأحزاب السياسية والمرشحين والمشاركين
في الانتخابات وشاغلي المناصب الأخرى؛ ويمتد تخوف المجتمع إلى أن أصحاب النفوذ
والتأثير هؤلاء قد تصبح لديهم القوة والقدرة على تشويه وإفساد السياسة العامة ، وحرف
إتجاهات الموارد العامة، وتهديد نزاهة الانتخابات وتقويض الديمقراطية. وحتى في حال
عدم وجود فساد علني ملحوظ ، فإن المجتمع قد يرى أن هذا الكم الهائل من الأموال
التي تنفق على النشاط السياسي والحملات الانتخابية هو من باب الفرط والهدر غير
اللازم، كما قد يرى أن جمع التبرعات يتسبب في إحداث تشتيت كبير للأحزاب والمرشحين
والمشاركين الأخرين في العملية الإنتخابية.
وعليه، فإن كل ديمقراطية تواجه ضرورة إتخاذ قرارات سياسية هامة حول تنظيم التمويل
السياسي ، وخاصة بشأن تقييد مصادر التمويل وكيفية إنفاق الأحزاب السياسية
والمرشحين للأموال. ومن أجل اتخاذ تلك القرارات ، فإن كل بلد قد يجد توجيهات مفيدة
لذلك الغرض في مجموعة من النماذج. وينبغي أن يختار البلد من تلك الإرشادات ما يناسب
ثقافته السياسية وظروفه. ويتعين على الدولة تبني سياسات يمكن تطبيقها وتنفيذها من
قبل هيئاته الإدارية والتنفيذية المتعلقة بالقوانين . كما يتعين على الدولة أن
تدرك أن فرض قيود على حرية التعبير ووضع أعباء تنظيمية على كاهل المشاركين في
العملية الإنتخابية ـــ حتى وإن كانت بنية سليمة ـــ قد تثبط المنافسة المحتدمة
بقوة في سوق الأفكار السياسية.
وضع الإطار القانوني
إن إحدى قضايا النزاهة
الرئيسية في الانتخابات ، والتي تحتل الأولوية في ضرورة معالجتها ، هي عملية تبني
قوانين للتمويل السياسي. ومن الناحية المثالية ، فإنه ينبغي أن تكون صياغة تلك
القوانين وتمريرها من قبل هيئة تشريعية منتخبة بصفة شرعية. وقد تعمل في البداية
سلطة تنفيذية على توفير المـُـدخلات الأولية وعادة ما يجب عليها إعطاء الموافقة
النهائية بشأنها. وتحدث العملية برمتها على مرأى ومسمع الجمهور عبر وسائل الإعلام
، كما تتاح فرصة المساهمة في وضعها للفئات المستنيرة من المجتمع المدني المنظم. ومن
المرجح أن هذه الطريقة المثلى قد تجد تعبيراً وتقديراً لها في البلدان ذات الديمقراطيات
الراسخة أكثر مما قد تلقاه لها في تلك البلدان ذات الأنظمة الاستبدادية أو التي
تسودها صراعات.
وفي روسيا عام 1993 ، على سبيل المثال ، تم بموجب مرسوم رئاسي وضع الإطار القانوني
لمرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية السوفياتية ، واشتملت على وضع قواعد تمويل
الحملات الانتخابية. وفي موزامبيق عامي 1993 و 1994 ، عملت جمعية وطنية يديرها
الحزب الحاكم على سن الأنظمة الانتخابية المتعلقة بالاعانات العامة للأحزاب
السياسية ؛ وقد جاء ذلك التشريع بعد انتهاء الصراع في البلاد من خلال مفاوضات
واسعة النطاق بين القوى السياسية الرئيسية المتنافسة والأحزاب الأخرى ، وقد ظلت
تلك المفاوضات سائرة على قدم وساق حتى توجت بعقد الانتخابات. وفي اندونيسيا عام
1999 ، بعد انهيار حكم الرئيس سوهارتو الذي دام طوال 32 عاماً، تم تمرير قانون
الانتخابات من قبل لجنة تشريعية جرى اختيار أعضائها في الانتخابات التي كان يسيطر
عليها نظام سوهارتو.
وفي كل حالة من هذه الحالات ، فإن شرعية العملية التشريعية كانت موضع شك وتساؤلات
كثيرة. ومع ذلك ، فإنه بفضل ممارسة نفوذ كاف من جانب العناصر السياسية المتنافسة والمشكلة
حديثاً ، فقد تم إقرار وقبول القوانين الانتخابية المقترحة في كل بلد. ونتيجة لذلك
، أصبح من الممكن إجراء انتخابات نيابية ناجحة. والقوانين التي تصدر في ظل مثل هذه
الظروف غالباً ما تشتمل على مجرد أحكام بدائية أولية للتمويل السياسي ، ولكن هذه الأحكام
يمكن إعتبارها بمثابة نقطة انطلاق لتعكس اهتمامات السياسة الرئيسية في البلاد. وفي
الانتخابات اللاحقة ، يمكن لمثل هذه البلدان إدخال إضافات وتحسينات على الإطار
القانوني لتنظيم التمويل السياسي (على الرغم من تباين النتائج المختلطة من ناحيتي
الفاعلية والتطبيق). وحتى الديمقراطيات المتقدمة، فإنها تحتاج إلى مراجعة وتنقيح
قوانينها المالية المتعلقة بالمجالات السياسية بصورة دورية من خلال عمليات تشريعية
نزيهة وشفافة.
هيئة تنظيم التمويل السياسي
عندما يصبح هناك عملية مشروعة بحيث يمكن من خلالها وضع الإطار القانوني للانتخابات
، فإن المسألة الحاسمة التالية هي منح سلطة قانونية لجهة ما كي تتولى القيام
بتنفيذ وتطبيق قوانين التمويل السياسي. وتعرف هذه الجهة عادة باسم هيئة تنظيم
التمويل السياسي (PFR) ، وقد تكون هذه الهيئة مسؤولة عن :
• صياغة وتنفيذ اللوائح التنظيمية التي تعمل على زيادة توضيح
وتحديد أهداف السياسة العامة لقوانين التمويل السياسي ؛
• إدارة السياسات بشأن الإعانات العامة للمشاركين في العملية الانتخابية
ومتطلبات الإبلاغ عن التمويل السياسي ؛
• فرض قيود التمويل القانونية والتزامات تقديم التقارير من خلال
عمليات إدارية أو شبه قضائية.
وعادة ما يتم تعيين هذه المسؤوليات إلى سلطة الانتخابات العامة (مثل هيئة
الانتخابات الوطنية) ، ولكن يمكن إعطاء بعضها أو كلها إلى هيئات حكومية أخرى دائمة
أو مؤقتة.
وبالنسبة للقائمين على تنظيم التمويل السياسي، كما هو الحال أيضاً بالنسبة لهئية إدارة
الانتخابات بصورة عامة ، فإن الاستقلالية والنزاهة والقدرة المؤسسية تعتبر من
الضروريات الأساسية في عملها. وبالنسبة لتعيين أعضاء هيئة تنظيم التمويل السياسي، فإن النزاهة والشفافية هما مطلبان أساسيان كما هو الحال في مسألة تعيين
مسؤولي الانتخابات أيضاً.