أساليب الرصد الكمي لوسائل الاعلام
غالبا ما يتم وصف اسلوب الرصد الكمي لوسائل الإعلام بأنه تحليل للمضمون. وكان هذا يمثل اتجاها واسع الانتشار في دراسات وسائل الإعلام لأكثر ما يقرب من نصف قرن، ولكنه ليس مقبولا على الصعيد العالمي. وكانت الانتقادات المختلفة لإسلوب تحليل المضمون، تركز في جميعها على أنها تعمل على فرض تقسيمات تعسفية وغير مرنة على النصوص التي قد تكون في الحقيقة مفتوحة لتفسيرات أكثر عمقا من ذلك بكثير. فتحليل المحتوى مثلا لا يأخذ في الاعتبار كيف يمكن للجمهور فهم الرسالة التي يتم نقلها من خلال وسائل الإعلام. ويقوم ببساطة بتحليل كمي لتلك الرسالة. ويعني التحليل الكمي اختيار عناصر مضمون المادة الإعلامية التي يمكن عدها فقط. وفي العديد من الأمثلة على التحليل الأكاديمي للمحتوى، قد تكون المؤشرات التي يتم اختيارها كلمات، ويقوم الباحثون بقياس الطريقة التي تتردد فيها بعض الكلمات أو مجموعة من الكلمات.
وأيا كانت صحة الانتقادات لتحليل المحتوى، فالحقيقة أنه كثيرا ما يستخدم في رصد وسائط الإعلام في سياق الانتخابات. ونادرا ما يركز التحليل على اختيار الكلمات، وإنما يقوم المراقبون بتحديد عدد واحد أو أكثر من المتغيرات التالية:
• عدد المرات التي تذكر فيها الأحزاب أو المرشحين.
• طول الوقت المخصص للأحزاب أو المرشحين.
• عدد المرات التي يتم فيها ذكر مختلف الجهات السياسية أو الاجتماعية الفاعلة الأخرى.
• عدد المرات أو الوقت المخصص لمواضيع مختلفة.
وهناك عدد من المتغيرات الأخرى التي قد يرغب المراقبون التعرف عليها. وقد تشمل هذه: النوع الاجتماعي أو طبيعة المصادر المشار إليها، المنطقة الجغرافية للقصة، الوقت المخصص لبث موضوع، والمكان أو الترتيب الذي يقع فيه الموضوع في نشرة الأخبار، وغير ذلك.
وتتضمن الاساليب المختلفة مؤشرات متنوعة. إلا أن الخصائص المشتركة لأي مؤشر جيد الاختيار، أن يكون موثوقا وصحيحا.
المصدر الموثوق: يعني المصدر الموثوق أن النتائج ستكون متشابهة أيا كان هو الراصد. وبعبارة أخرى، سيكون هناك نظام تصنيف علمي يمكن تطبيقه في معظم الحالات: قياس مقدار الوقت الذي يتحدث فيه مرشح معين مباشرة مثلا يمكن الاعتماد عليه. تصنيف الموضوعات وفقا لمجموعة من الرموز المحددة سلفاً يمكن الاعتماد عليه، شريطة أن يتم تدريب المراقبين في كيفية تطبيق نظام التصنيف الذي سوف يعطي نفس النتائج بنسبة 95%.
الصحة: وتعني أن البيانات التي جمعت تظهر في الواقع ما كان مفترض أن يظهر. إن مجرد عد أصوات الجنس الاجتماعي التي ذكرتها وسائل الإعلام مثلا، ليس من المرجح أن يكون مقياسا صالحا يظهر التحيز القائم على الجنس. عوامل أخرى كثيرة جدا يجب أن تؤخذ في الاعتبار: المواقف الاجتماعية العامة تجاه المرأة، توزيع المرشحين بين الجنسين في مختلف الأحزاب السياسية، وغيرها. وبالمثل، فإن مقدار الوقت المخصص لمرشح معين لا يمكن أن يكون مؤشرا صالحا للتحيز من جانب وسيلة الإعلام. (اعتبارات أخرى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، مثل مضمون التغطية.)
الرصد الكمي- بعض المناهج الممكنة
من المرجح أن تركز جميع اساليب الرصد الكمية لوسائل الإعلام في تغطية الانتخابات على الوقت المخصص لمختلف الأحزاب أو المرشحين. والكيفية التي سيتم بها احتساب ذلك هي مسألة تعود إلى الاختيار، مع المزايا أو المساوئ الموجودة في الاساليب المختلفة.
إن رصد العديد من وسائل الإعلام الأوروبية والمنظمات - بما في ذلك المعهد الأوروبي لوسائل الإعلام ، وهيئة المراقبة "دي بافيا" ورصد وسائل الإعلام "ميمو 98"- تستخدم الاسلوب الذي يقوم على أساس تواتر الإشارة إلى عدد من المواضيع "السياسية" التي يتم تحديدها سلفا. ويتم تسجيل كل ذكر لهذه المواضيع خلال فترة الرصد بشكل منفصل، ويسجل عدد المرات المخصصة للخطاب المباشر. كما سيتم تصنيفها على أنها ايجابية أو سلبية أو محايدة تجاه "الموضوع".
وهناك اسلوب مختلف قليلا، لا يهتم بحساب التكرار، وإنما بتوزيع النشرات الإذاعية والمطبوعات في "بنود". وسوف يمثل كل بند عادة قصة ضمن نشرة أخبار أو صحيفة أو إعلان سياسي. وسيجري تسجيل جميع المصادر التي تم تحديدها علنا لهذا البند على حد سواء بالاسم وحسب الفئة (مثل حزب سياسي). وسيجري أيضا حساب عدد مرات الخطاب المباشر. ويجري تقييم كامل لكل البنود لتحديد ما إذا كانت تفضل و/ أو تعارض أي من المرشحين أو الأحزاب. ويتميز هذا الأسلوب بأنه يحصي عدد المصادر في كل بند من البنود ويقيم تنوعها ويعطي مقياسا موضوعيا للمهنية في التغطية الإعلامية. ولكنه لا يحسب بدقة عدد المرات التي يذكر فيها الحزب أو المرشح. ويتم استخدام هذا النوع من الاساليب من قبل منظمات مثل مشروع رصد وسائل الإعلام في جنوب أفريقيا وزمبابوي، والمادة 19، التي تقوم برصد وسائل الإعلام في أفريقيا وأوروبا الشرقية.
ويجب على كل هذه الاساليب معالجة مشكلة مشتركة، وهي كيفية تقييم ذكر موضوع سياسي أو خبر كامل (اعتمادا على منهجية دقيقة) يفضل أو يعارض مرشح أو حزب. وتستخدم بعض الاساليب جدولا للتقييم حيث يقوم المراقب بوضع البند في مكان ما على مقياس ما بين 2 (إيجابي جدا) و-2 ((سلبي جدا)، مرورا بإيجابي ومحايد وسلبي.
ومن الواضح أن مسألة الثقة ستكون حاضرة. فكيف يكون من الممكن ضمان أن المراقب يقوم بتطبيق نفس التقييم؟ ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال التدريب والممارسة. وهذا سوف يحدد هامش الخطأ في تقييم البنود المدرجة في الجدول.
تحديد التغطية الإيجابية والسلبية
إن المشكلة الأكثر أهمية رغم ذلك، هي كيفية تطبيق المعايير الموضوعية. ومن المهم أن نفهم أولا أن تقييم بند من البنود بصورة إيجابية أو سلبية عن حزب أو مرشح معين، لا يعني تحديد ما إذا كانت منحازة. وإن قياس التحيز يأتي فقط عندما يكون من الممكن تقييم مجموع المقاييس للتغطية الإيجابية أو السلبية. ومن الاساليب الفعالة استخدام مجموعتين من المعايير في تحديد ما إذا كان العنصر إيجابيا أو سلبيا: السياق والمضمون. وأول هذه المعايير هو السياق، وهو يشير إلى الطريقة التي صيغت فيها القصة. إذا كانت القصة تدور حول سياسي ظهر في المحكمة بتهمة التزوير على سبيل المثال، فالإطار الواضح سلبي (لاحظ أن هذا لا علاقة له مع ما إذا كانت القصة صحيحة أو عادلة). أما إذا كان السياسي قد تلقي جائزة نوبل للسلام، فالإطار هو إيجابي. وإذا كان السياسي يتوجه بخطاب لتجمع سياسي، فالإطار الأكثر احتمالا هو محايد. والمعيار الثاني، وهو المضمون، ويشير إلى الحقائق العلنية ونغمة القصة. إذا كان السياسي المتهم بالاحتيال يقدم كلمة مؤثره بشكل خاص من قفص الاتهام، قد يكون هذا ايجابيا (على الرغم من الإطار السلبي للقصة). إذا كان الصحفي يقول إن السياسي لا يستحق الحصول على جائزة نوبل، فهذا شيء سلبي، رغم الإطار الإيجابي. وغالبا ما يتزامن الإطار والمضمون.
إذا كان السياق والمضمون يتطابقان، فإنه من الواضح كيف سيتم تصنيف هذا البند. وإذا كان السياق والمضمون يؤديان إلى نتائج عكسية (واحدة ايجابية وأخرى سلبية)، فسوف يلغي كل منهما الآخر، وسيتم تصنيفها على أنها محايدة في هذا البند. إما إذا كان المحتوى أو السياق هو محايد، في حين أن الآخر هو إيجابي أو سلبي، فإن هذا الأخير سوف يحدد كيفية تصنيف هذا البند.
اساليب كمية أخرى لتقييم التغطية
في المجموعة الثانية من الاساليب التي سبق وصفها، هناك عدد من المؤشرات الكمية الأخرى التي يمكن استخدامها:
• يشير عدد المصادر على المهنية الصحفية. ويشير توزيع المصادر وتوازنها إلى تحيز سياسي.
• النوع الاجتماعي للمصادر قد يكون مؤشرا مفيدا إذا تم تفسيره بعناية.
• قد يكون التوزيع الجغرافي للقصص مهما في بعض الحالات.
• يحتل اختيار المواضيع على الأرجح أهمية خاصة.
النقطة الأخيرة - اختيار المواضيع - غالبا ما يكون مؤشرا كميا حساسا للتوجهات السياسية لوسائل الإعلام. وتقوم الأحزاب السياسية بحملتها عادة حول قضايا مختلفة إلى حد ما من حملة خصومهم. وإن اختيار القصص التي تغطيها وسائل الإعلام كثيرا ما تشير إلى مدى التأييد للبرنامج السياسي لهذا الطرف أو ذاك.
كما أن الإحصائيات عن المصادر تقول شيئا عن التوازن، ولكن ليس بصورة تلقائية عن التحيز. فالقصة التي تعتمد على مصدر واحد غير متوازنة، ولكن ليس من الضروري أن تكون متحيزة. وإذا كان محافظ البنك المركزي يعلن عن زيادة في أسعار الفائدة، فلا حاجة هنا إلى صوت آخر لأن ذلك هو خبر. (ربما توحي الممارسة الصحفية الجيدة بأن تعليقا من الأحزاب السياسية والخبراء المستقلين سيكون مفيدا). من جهة أخرى، إن تغطية أعمال العنف السياسي التي تنقل من طرف واحد فقط، ستكون على الأغلب متحيزة.