تُعَد الديمقراطية أحد المفاهيم المثيرة، وتشير الزيادة في عدد الدول التي تنتسب إلى الممارسة الديمقراطية إلى حياة مختلفة للعديد ممن يعيشون الآن في راحة من الاضطهاد السياسي أو الحكم الاستبدادي. وبالنسبة للعديد من الناس، خاصة هؤلاء الذين يعيشون في ظل ديمقراطيات أحدث عهداً، يعتبر هذا المصطلح من المصطلحات المُعقَّدة التي يتطلَّب فَهْم معناها العمليّ وقتاً طويلاً. ويوجد قدر كبير من المعلومات عن الديمقراطية، ويتمثَّل دور اختصاصيي التوعية في توضيح هذه المعلومات بالصورة التي تتلائم مع المستوى الفكري لمتلقيّ التوعية. ونظراً لأن الديمقراطية من المفاهيم التي تنطوي على جوانب سلوكية ومهارية ومعرفية ومواقفية بالإضافة إلى مسائل السياسة والسلطة، فإنها تُمثِّل تحدِّياً خاصاً للغاية.
سوف تؤثِّر طريقة التصرُّف والتوعية التي ينتهجها اختصاصيو التوعية في إدراك الأشخاص لمفهوم الديمقراطية. وكنتيجة لذلك هناك الكثير من النقاش في الكتابات حول منهجية توعية ديمقراطية والذي يُقدِّر التفاعل، والمشاركة، والمساهمات الفردية في التحاور واكتشاف المعنى.
هناك بعض المعلومات الأساسية التي توفِّر أساساً جيداً للتوصُّل إلى فهم وتقدير للديمقراطية.
تعريف الديمقراطية
نظراً لأن الديمقراطية هي من المفاهيم المُعقَّدة التي يدور حولها الجدل، فدائماً ما سيكون حوله اختلاف في الرأي، على الرغم من وجود قدر كبير من التوافق على التعريف الأساسي. وتُركِّز معظم التعريفات الخاصة بالديمقراطية على الخصائص، والإجراءات، والمؤسَّسات. وبالطبع يتخذ التعبير عن الديمقراطية في العالم الحقيقي أشكالاً عدة، وسوف يكون على اختصاصيي التوعية الحذر من افتراض ضرورة دعم وتبنِّي ممارسات وإجراءات معينة على نطاق عالمي. حيث ينبغي دمج الفهم والخبرات والمعتقدات الخاصة بمُتلقِّي التوعية بالإضافة إلى التاريخ الذي مَرَّت به بلادهم وذلك لصياغة تعريف ذي مغزى وعملي بحيث يتناسب مع حياتهم اليومية.
لا تتألف الديمقراطية من مجموعة واحدة فريدة من المؤسَّسَات القابلة للتطبيق على نطاق عام. حيث يتحدَّد الشكل الذي تتخذه الديمقراطية في إحدى البلدان إلى حد كبير وفقاً للظروف الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية السائدة ويتأثَّر بشدة بالعوامل الثقافية، والتقليدية، والتاريخية.
تبدأ معظم القراءات في الديمقراطية حديثها بتحديد منشأ هذه الكلمة والمكان الذي نشأت فيه أُولى الممارسات الرسمية المُسجَّلة للديمقراطية. كما أنها تُقدِّم أيضاً تعريفات الديمقراطية التي استخدمت على مر الزمان. وفيما يلي عدد من التعريفات، التي تتدرَّج من البسيط جداً إلى الأكثر تعقيداً. ويمكن استخدام هذه التعريفات لإرشاد التعريفات التي يقوم بصياغتها متلقو التوعية بأنفسهم خلال المناقشة.
"الديمقراطية هي كلمة مُشتقة من الكلمات اليونانية demos التي تعني الشعب و kratos التي تعني السلطة أو القوة" [1]
"... حكومة يتم تشكيلها بموافقة طوعية من الشعب"[2]
"... نظام حكم تكون فيه السلطة العليا في يد الشعب"[3]
"حكم الشعب في بلد ما مباشرة أو عبر التمثيل"[4]
"ذلك الشكل من الحكومة الذي تتم فيه ممارسة السيطرة السياسية من قبل جميع أفراد الشعب، إما مباشرة أو عبر ممثليهم المنتخبين"[5]
"تعني كلمة ديمقراطية ذاتها حكم الشعب. والديمقراطية هي نظام سياسي يستطيع فيه الشعب تغيير حكامه بطريقة سلمية ويتم منح الحكومة الحق في الحكم نظراً لأن الناس يقولون أنها يمكنها أن تفعل ذلك"[6]
بدايات الديمقراطية
تمَّ صكّ مصطلح الديمقراطية من قِبَل الإغريق الذي قاموا بإنشاء شكل مباشر من الحكم في أثينا. حيث كان جميع الذكور البالغين يجتمعون لمناقشة القضايا ويُصوِّتون برفع أيديهم. ولم يكن يَحِقّ للعبيد ولا النساء التصويت. ويحتاج هذا الشكل من الحُكْم إلى الكثير من الوقت ويستحيل على الشعوب ذات العدد الكبير من السكان أن تلتقي في كل مرة تحتاج فيها لاتخاذ القرار.
ولهذا، فإن الخطوة من الديمقراطية المباشرة (التي يُصوِّت فيها الأشخاص بشكل مباشر على القضايا) إلى الديمقراطية النيابية (التي ينتخب فيها أفراد الشعب مُمثِّلين أو سياسيين يقومون باتخاذ القرارات نيابة عنهم) كانت حتمية مع قيام المجتمعات الأكبر والأكثر تنوعاً بتأسيس الأنظمة الديمقراطية.[7] واليوم توجد أشكال من الحكم المباشر مثل الاستفتاءات، والالتماسات، والاستفتاءات العامة، والمقترحات، لكنها تظهر في الغالب الأعم في الديمقراطيات الأكثر قدماً والتي تتمتع بموارد تكنولوجية أكبر.
الديمقراطية اليوم
توجد الديمقراطية لتوفر طريقة للأشخاص للعيش والبقاء معاً بشكل يعود بالنفع على الجميع. وعلى الرغم من أن العديد من الديمقراطيات الموجودة اليوم ربما لم تكن موجودة قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أن هناك سوابق في معظم المجتمات التقليدية لشكل من الحكم كانت فيه المُثُل التي يؤمن بها غالبية الناس مصدر إرشاد وتوجيه للحكام والمجتمعات فيما يتعلَّق بأسلوب اتخاذ القرار وسَنّ القواعد، وبأسلوب معاملة أفراد المجتمع وتعايُشهم مع بعضهم البعض.
وهناك زعم يقول بأن الديمقراطية هي من المصطلحات الغريبة على أفريقيا، وهو الزعم الذي يرتكز على الخلط بين مبادئ الديمقراطية وتجليَّاتها المؤسَّسَاتية. حيث تشتمل مبادئ الديمقراطية على المشاركة الواسعة، ورضى المحكومين، والمُساءلة العامة للموجوين في السلطة- وهي مبادئ قد تغلغلت في النظم السياسية الأفريقية التقليدية. [8]
يمكن أن يكون التحوُّل السياسي إلى دولة ديمقراطية بالإضافة إلى أشكال إعادة الهيكلة اللازمة مثل التصويت والانتخابات، والدستور، والقضاء المستقل أمراً يفوق قدرة المواطنين الجُدد. ولهذا السبب، سيمثل التركيز على الخبرات الخاصة بالأشخاص إحدى الوسائل المفيدة لمساعدتهم على الوصول إلى فهم عمليّ ومشترك للديمقراطية.
ينبغي على اختصاصيي التوعية الذين يقومون بتوعية المواطنين بالديمقراطية تشجيع الأشخاص على التعبير عن آرائهم حول القيم التي توجد بالفعل في طريقة تفاعل بها مع بعضهم البعض في المجتمعات خلال حياتهم اليومية. ومن هذه المجموعة من القيم سوف يتمكَّن اختصاصي التوعية من استخلاص مجموعة من التطلُّعَات والقيم "المُصمَّمَة خصيصاً لهؤلاء المواطنين" والتي تُمثِّل الأساس للديمقراطية. وسوف يُشكِّل هذا أساساً قابلاً للاستخدام يمكن الانطلاق منه لاستكشاف شكل الحوكمة الموجود في بلدهم ومدى إمكانية وصفه بالديمقراطية.
الديمقراطية النيابية
يحِقّ للجميع المشاركة في حكومة بلادهم، إما مباشرة أو من خلال ممثلين يتم اختيارهم بحرية. وسوف تكون إرادة الشعب أساساً لسلطة الحكومة، وسيتم التعبير عن ذلك في صورة انتخابات دورية وحقيقية والتي سيتم إجراؤها بحقوق اقتراع موحدة ومتساوية وسوف تُنظَّم عن طريق الاقتراع السرِّي أو إجراءات التصويت الحرة المكافئة.
التصويت هو إحدى الآليات التي توجِّه الدولة الديمقراطية وتُبقِي قادتها على المسار الصحيح، وتساعد في إعلام القيادة عن الكيفية التي أدت بها مهامها. وخلال الانتخابات، يُصوِّت المواطنون لمُرشَّح من اختيارهم. ويصبح المرشحون المنتخبون أو النواب حكومة هذا البلد. ويُمثِّل القادة المنتخبون "الشعب" ويحكمون لفترة محددة. ويتم اختيار النواب عبر الانتخابات اعتماداً على نظاميّ الدوائر الانتخابية أو التمثيل المتناسب، أو على مزيج من النظامين.
سوف يُقرِّر اختصاصيو التوعية المدنية في دولة معينة التأكيد على، وتوضيح، بمزيد من العُمق نوع الديمقراطية النيابية التي تمَّ اختيارها. وبالإضافة إلى ذلك، سوف يرغبون في شرحه وأيضاً شرح الاختلافات بين النظم الممكنة، وفوائدها، وكلفة كل منها.
الديمقراطيات الدستورية
ترتكز غالبية الديمقراطيات، لكن ليس كلها، على دستور مُدوَّن أو قانون أعلى والذي يعمل كدليل توجيهيّ للمُشرِّعين وللقوانين التي يقومون بصياغتها. وتعمل الدساتير المكتوبة كضمان للمواطنين على أنَّ الحكومة مُطالبة بالعمل وفق طريقة معينة وبدعم حقوق معينة.
تعتمد قوة الديمقراطية الحقيقية على حقوق وحريات أساسية معينة. ويجب أن تكون هذه الحقوق والحريات محمية للتأكُّد من أن الديمقراطية سوف تنجح. وفي العديد من البلدان توجد هذه الحقوق مُتضمَّنة في الدستور ومحمية من قِبَلِه. كما يقوم الدستور أيضاً بتحديد الهياكل والوظائف الخاصة بالحكومة. ويوفِّر الخطوط الإرشادية لإعداد القوانين الأخرى. وعادة ما تتمّ حماية الدستور من رغبة إحدى الحكومات في تعديله باشتراط الحصول على أغلبية خاصة قبل أن يكون بمقدورها تغيير أية فقرة أو عن طريق تقديم أية تغييرات للتصويت عليها في استفتاء.
الحد الأدنى من المُتطلبات التي يجب توافرها في دولة ما حتى يمكن تعريفها بالديمقراطية
مع الزيادة الكبيرة في عدد الديمقراطيات التي تقيم انتخابات حرة ونزيهة وتعلن أنفسها دولاً ديمقراطية، قام بعض المُنظِّرين بصياغة مجموعة من المتطلبات التي تُمثِّل الحد الأدنى لذلك. فالانتخابات بمفردها لا تجعل من الدولة دولة ديمقراطية. وقد تم استخلاص القائمة التالية للحد الأدنى من المتطلبات عبر دراسة الديمقراطيات وقراءة النظريات المتنوعة الخاصة بالديمقراطية. وتوفِّر كلاً من نظرة عامة لما تعنيه الديمقراطية ومعيار يمكن استخدامه كمحَكّ لاختبار ما إذا كانت إحدى الدول ديمقراطية أم لا.
- الرقابة على قرارات الحكومة المتعلقة بالسياسة منوطة دستورياً بالنواب المُنتخَبين
- نواب مُنتخَبون يتم اختيارهم في انتخابات حرة ومتكررة
- يمارس النواب المُنتخَبون سلطاتهم الدستورية دون مواجهة معارضة طاغية أو مُبْطِلة من المسؤولين غير المُنتخَبين
- يحق لجميع البالغين الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات
- يحق لجميع البالغين الترشُّح لشغل المناصب العامة
- يحِقّ للمواطنين التعبير عن آرائهم حول الأمور السياسية، المُعرَّفة بشكل عام، دون مَغبَّة التعرض لعقاب الدولة
- يحِقّ للمواطنين التماس مصادر بديلة للمعلومات، مثل الوسائط الإخبارية، وأن تكون مثل هذه المصادر مَحميَّة من قبل القانون
- يحِقّ للمواطنين تشكيل اتحادات وتنظيمات، بما في ذلك الأحزاب السياسية المستقلة وجماعات الضغط
- تتمتَّع الحكومة بالاستقلالية وتستطيع العمل بشكل مستقل عن المُقيِّدات الخارجية (كتلك التي تفرضها الأحلاف والكتل
في حالة عدم توافر أي من هذه الشروط ، يدفع الخبراء بأن هذه الدولة ليست ديمقراطية بحَقّ.
انتقاد الحكومة
توعية المواطنين بالديمقراطية التي يعيشون فيها تَعْنِي أن اختصاصيو التوعية سيقومون بتزويدهم ببعض الأدوات لتحليل ظروفهم. وفي بعض الحالات، يمكن أن يثير هذا انتقاداً لاذعاً للحكومة، ولما تتمتَّع به من سلطات، ولطريقة عملها، وما إذا كانت تبدو وكأنها تفي بالوعود التي قطعتها على نفسها إبان الانتخابات أم لا. وسيكون على اختصاصيي التوعية تحضير أنفسهم لمثل هذا النوع من النقد بطريقة بناءة حتى يتعلَّم متلقو التوعية كيفية التعامل مع انتقاداتهم بصورة ديمقراطية وسلمية.
ملاحظات:
[1] Democracy For All، (جنوب أفريقيا: StreetLaw، 1995)، 4.
[2] نفس المرجع ص4
[3] نفس المرجع ص4
[4] نفس المرجع ص4
[5] Civitas, National Standards for Civics and Government (كالاباساس، كاليفورنيا: مركز التوعية المدنية، 1994).
[6] معهد ناميبيا للديمقراطية، Democracy and You: A Guide to Better Understanding(ويندهوك: n.p.)، 6.
[7] إم. إل. شتروم، Citizenship and Democracy (بريتوريا: معهد الديمقراطية في جنوب افريقيا (IDASA)، 1996)، 13.
[8] كلود إيك، تمَّ الاستشهاد به في Reflections on Democracy (بريتوريا: معهد الديمقراطية في جنوب افريقيا (IDASA)، 1997).
[9] الجمعية العامة للأمم المتحدة. 1948. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. مادة 217 أ (III).