قبل النزول إلى الميدان مع المحاورين، ينبغي اختبار كل استبيان على مجيبين مشابهين للذين ستتم محاورتهم في الاستطلاع الحقيقي. وعلى أساس هذه الجولة التجريبية، يمكن التعرف على أوجه القصور في الاستبيان وإجراء التعديلات اللازمة.
ومع أن ذلك قد يوحي بالشمولية في صورتها المتطرفة، إلا أنه يتم إجراء معظم الدراسات التجريبية في حجرة صغيرة ذات مرآة أحادية الاتجاه حتى يكون بمقدور الشخص مشاهدة المقابلة الحقيقية، ورؤية، وسماع ما يجري بالضبط فيما يتعلق بالأسئلة، والإجابات، وحركات الجسم.
يوفر هذا فرصة ممتازة للتحقق مما إذا:
- كانت التعليمات واضحة للمحاور؛
- كانت الأسئلة واضحة لكل من المحاور والمجيب؛
- انت الأسئلة تُشعِر الشخص بعدم الارتياح والقلق؛
- يشعر المجيبون بالتعب ويولون إجاباتهم قدرا أقل من التفكير، وعند أية نقطة يحدث ذلك؛
- كانت الأسئلة تجمع أنواع الإجابات التي تهمنا حقا
وعلى سبيل المثال، وجد معهد الديمقراطية في جنوب أفريقيا في فحصه للأسئلة عن الهوية الاجتماعية أن صيغة: "ماذا تسمي نفسك؟" كانت تُولِّد بعض الأوصاف الشخصية للغاية، مثل "شخص لطيف" و "متفتح"، والتي لم تكن المعلومات المطلوبة. ولذلك كان من الضروري توفير نوع ما من السياق لكي يقوم الشخص بالإجابة في إطاره. وهكذا تم تحويل السؤال إلى: "بالنظر إلى كل الجماعات في جنوب أفريقيا ...." (مع توفير قائمة بالأنواع المختلفة من الجماعات) "ما هي الجماعة التي تعتبر أنك تنتمي إليها في المقام الأول؟"
وعادة ما يعود الاختبار التجريبي بالشخص مرة أخرى إلى لوح الرسم ليعيد كتابة بعض الأسئلة على الأقل، أو لحذف بعضها. وإذا ما تبيَّن من الاختبار التجريبي أن الاستبيان مُفرِط في الطول، فستنشأ الحاجة إلى مراجعة الإطار المفاهيمي. وفي التحليل الأخير، سيتوجب اتخاذ قرار حول ما إذا كان سيتم حذف الجوانب المفاهيمية التي قد تكون مثيرة ولكن ليست حيوية من الاستطلاع بالكامل أو حذف سؤال واحد أو اثنين من كل جانب من الجوانب مفاهيمية.
الترجمة
إنه لمن الضروري في مجتمع متعدد اللغات أن يتمكن كل مجيب من الإجابة على الأسئلة باللغة التي يشعر بأنه متمكن من استخدامها.
إن أفضل طريقة لضمان أن الاستبيان يعني ما هو مقصود منه بعد الترجمة هي من خلال استخدام طريقة "التعمية المزدوجة" رغم أنها تستغرق قدرا كبيرا من الوقت إذ تأخذ مجموعة من اللغويين الاستبيان الأصلي وتقوم بترجمته إلى اللغات المطلوبة. ثم تأخذ مجموعة أخرى من اللغويين هذه النسخ وتعيد ترجمتها مرة أخرى إلى الإنجليزية (أو إلى اللغة الأصلية).
وعند تلك النقطة، تحتاج النسخة المُعَاد ترجمتها إلى التحقق منها بالمقارنة مع النسخة الأصلية أو اللغة المترجمة التي تعطي تعبيرا أفضل عن المفهوم الرئيسي. لكن عليك ملاحظة أنه في حالة إدخال التعديلات على النص باللغة الأصلية، سيتوجَّب بالتالي مراجعة جميع الترجمات الأخرى.
لكن المترجمين الجيدين لا يقومون ببساطة بترجمة كل كلمة من الكلمات. إذ يتوجب عليهم معرفة متى يكون المجيبون معتادين على سماع كلمات مِفتاحية في لغة أخرى، مثل "البرلمان"، حتى يكون من الممكن استخدام المصطلح الملائم.
طريقة المقابلة
تعد طريقة المقابلة إحدى الطرق الرئيسية. إذ إن الإجابات على أسئلة الاستطلاع ليست بالضرورة مستقلة عن الطريقة التي يتم بها الحصول عليها.
الهاتف
يعد الاتصال بالمجيبين بواسطة الهاتف إحدى الطرق التي تنال رواجا متزايدا. إذ غالبا ما تكون الاستطلاعات الهاتفية أقل تكلفة، نظرا لأنها لا تتطلب من المحاورين السفر إلى جميع أرجاء الدولة أو المنطقة للوصول إلى منازل الأشخاص، وقد تكون أسرع.
لكن تنشأ إحدى المشكلات الرئيسية كنتيجة للمعدلات الفعلية لامتلاك الهواتف. فحتى في الولايات المتحدة، قُدِّرَت نسبة الأشخاص الذين لا زالوا ليس لديهم هاتفا حتى أوائل التسعينيات من القرن العشرين بـ 5% من تعداد السكان (وبـ10% في بعض الولايات).
والمشكلة الكبرى هي أن ملكية الهواتف ليست عشوائية. إذ إن هناك ارتباط كبير بينها وبين دخل الأسرة. وغالبا جدا ما ستكون لدى الأشخاص الذين ليس لديهم هواتف آراء سياسية واجتماعية مختلفة إلى حد كبير عن آراء هؤلاء الذين لديهم هواتف. وفي الدول النامية، تجعل الأعداد المنخفضة وشديدة التباين لامتلاك الهاتف من الاستطلاعات المُمثِّلة للدولة ككل أمرا مستحيلا، إذ تتسم بالنقص الشديد في تمثيل الأسر ذات الدخل الأكثر انخفاضا.
وفي الولايات المتحدة، قدرت مؤسسة غالوب (Gallup organization) ذات مرة أن الاستطلاعات الهاتفية التي يتم إجرائها قبل الانتخابات كانت أكثر تأييدا للمرشحين الجمهوريين من نظرائهم الديمقراطيين بخمس إلى ست نقاط. وقد حدث أحد الأمثلة اللافتة للنظر في جنوب أفريقيا عام 1992، عندما استخدم مجلس أبحاث العلوم الإنسانية (HSRC) استطلاعا هاتفيا لإظهار أن إف. دبليو. دي كليرك (F.W. de Klerk) كان يحظى بدعم أكبر مما يحظى به نلسون مانديلا في سباق انتخابي افتراضي. وقد نوَّه العاملون في مجلس أبحاث العلوم الإنسانية إلى أنهم قد وزنوا الإجابات النهائية بشكل صحيح تبعا للنسب العنصرية الصحيحة التي تخص الدولة. لكن ما نسوه هو أن الأفارقة الذين لديهم هواتف لا يمثلون أفارقة بشكل عام.
كما تجعل الاستطلاعات الهاتفية من السهل على الأشخاص أيضا إيثار عدم الاشتراك في الاستطلاع وبالتالي الخروج من العينة. وكما هو مذكور أدناه، فإنه من المهم عدم السماح للأشخاص باستبعاد أنفسهم ذاتيا من العينة. وبالإضافة إلى ذلك فإن المحاورات الهاتفية نادرا ما تنطوي على الألفة التي تشتمل عليها المقابلات الشخصية، والتي تُعَد ضرورية لقيادة المجيبين إلى الموضوعات المثيرة للجدل.
إذ يكون الأشخاص ببساطة أكثر إحجاما عن التعبير عن اتجاهاتهم السلبية مع الغرباء الذين لا يرونهم. ونظرا لأن العينات الهاتفية غالبا ما تحتوي أيضا على أشخاص منبوذين، فإنها تكون عامة منحازة إلى البيانات الأقل سلبية. لكن عدم الاتصال المباشر قد يمنح الاستطلاعات الهاتفية الأفضلية في بعض المواقف.
البريد
في الاستطلاع الذي يُجرَى بواسطة البريد، يتم ببساطة إرسال استبيان إلى المجيب من خلال البريد. ومن ثمَّ تتم إدارة الاستبيان ذاتيا. ونظرا لأن هذه الاستطلاعات تنطوي نسبيا على عدد بسيط من العمالة وعلى قدر ضئيل من التكاليف البريدية، فإنها تميل إلى أن تكون منخفضة التكاليف نسبيا.
وعلى الجانب الآخر، تميل الاستطلاعات البريدية إلى الحصول على معدل منخفض للغاية من الردود. ويعد الحصول على البريد الراجع بمعدل يتراوح ما بين الثلث إلى الربع نجاحا كبيرا، وحتى هذه المعدلات تتطلب قدرا كبيرا من العمل والاتصال بالمستلمين مرة ثانية أو ثالثة وملاطفتهم من أجل استكمال الاستبيان وإعادته. كما قد يتم تقديم حوافز أخرى، مثل الجوائز أو الفرص للفوز بالجوائز.
وفي بعض الأماكن، تُحِد أيضا جودة الخدمة البريدية ومستويات الأمية المرتفعة إلى حد كبير من فاعلية الاستطلاعات البريدية. ونتيجة لهذه الأسباب ولغيرها، لا يتم عادة إجراء الاستطلاعات البريدية سوى على وحدات سكانية مستهدفة محددة، والتي تتكون غالبا من جماهير على درجة عالية من التعليم، أو المديرين من المستوى الأعلى، أو "الصفوة من صانعي القرار".
المقابلات الشخصية
قد تقوم المقابلات الشخصية ببناء علاقة ثقة مع المجيب، مما يُفسِح المجال لأسئلة أكثر حساسية ولإجابات أكثر عُمقا. ونظرا لأن المجيبين يمكنهم رؤية من يحاورهم في محاورات تتم وجها لوجه، فقد تؤثر خصائص المحاور مثل العرق والجنس على رغبة المجيبين في تقديم إجابات غير مقبولة اجتماعيا حول قضايا العرق والجنس. وهكذا، ففي مكان مثل جنوب أفريقيا، عادة ما تحاول شركات الاستطلاعات التأكد من أن المحاورين هم من نفس العرق الذي ينتمي إليه مجيبهم. وإذا ما كان الاستطلاع يدور حول الجنس، أو قضايا الجندرية، فستُبذَل الجهود لضمان أن جميع المحاورين من نفس الجنس الذي ينتمي إليه المجيبون.
لكن تميل المقابلات الشخصية إلى أن تكون باهظة التكلفة وذلك نظرا لتكاليف العمالة والسفر. وبالإضافة إلى ذلك، تواجه المقابلات الشخصية العديد من العقبات اللوجيستية التي لا يتم مقابلتها في الطرق الأخرى. أبسط هذه العقبات على الإطلاق هو المرور من خلال البوابة الأمامية لأحد الأشخاص ناهيك عن المرور عبر باب بيته. وخاصة في جنوب أفريقيا، إذ غالبا ما تمنع الأحياء "السيئة"، وأنظمة الأمن الخاصة بالمباني السكنية، بالإضافة إلى مشكلات صغيرة أخرى – مثل كلاب الروتوايلر أو الدوبرمان- من يقومون بإجراء الاستطلاع من الاتصال بجميع الأشخاص الذين تشملهم العينة.
ومرة ثانية إذا لم يتم تفقُّدهم، قد تؤدي "عدم الإجابة" (هؤلاء الذين لا يمكن الوصول إليهم في المنزل أو الذين يرفضون إجراء مقابلة معهم) إلى تخريب العينة نظرا لأن هؤلاء الأشخاص يختلفون بصورة شبه دائمة عن عامة السكان في الخصائص والاتجاهات.