إريك دي باليير
الخلفية التاريخية
منذ الخروج من الصراع الأهلي والدولي المدمّر، عقدت كمبوديا انتخابات منتظمة، أولا على المستوى الوطني، ثم على المستويات المحلية. ثم نظّمت سلطة الأمم المتحدة الانتقالية في كمبوديا الانتخابات الوطنية الأولى في مايو/أيار 1993، بموجب اتفاقات باريس للسلام عام 1991. وقد شابها الترهيب والعنف السياسي على نطاق واسع، رغم اعتبارها ذات مصداقية من الناحية الفنية. وفي سبتمبر/أيلول 1993، تمّ إقرار دستور جديد يرسي دعائم مملكة كمبوديا كدولة متعددة الأحزاب، وينص على عقد انتخابات الجمعية الوطنية كل خمس سنوات. وفي يناير/كانون الثاني عام 1988، تأسّست اللجنة الوطنية للانتخابات، وتمّ إجراء انتخابات وطنية على الصعيد الوطني بعد ذلك في الأعوام 1998، و2003، و2008، و2013. وتم إجراء أول انتخابات محلية تعددية على الإطلاق في عام 2002 لـ1,621 مجلسًا بلديًا[1] جُدّدت ولاياتها عامي 2007 و2012. وجرى عقد انتخابات غير مباشرة لمجلس الشيوخ في عامي 2006 و2012، وللمجالس التي تأسست حديثا في عام 2009 على مستوى المناطق والمحافظات.
وحتى عام 2013، تميّزت الانتخابات المتعاقبة بالهيمنة المتزايدة لحزب الشعب الكمبودي بقيادة هون سين، والذي حكم البلاد منذ أطاحت فييتنام بنظام الخمير الحمر في عام 1979. وبعد أن خسر حزب الشعب الكمبودي انتخابات عام 1993 لصالح حزب الجبهة الوطنية المتحدة الملكي من أجل كمبوديا مستقلة ومحايدة ومسالمة ومتعاونة[2] بنسبة 38 إلى 45 بالمئة، رفض حزب الشعب الكمبودي النتائج. وبعد مفاوضات، تمّ الاتّفاق على تقاسم السلطة، وصار هون سين بموجب ذلك الاتفاق ثاني رئيس للوزراء. وفي عام 1997، انهار التحالف وسط مواجهات مسلحة، وتولى هون سين لوحده قيادة البلاد. وفي عام 1998، نال حزب الشعب الكمبودي نسبة 40 بالمئة من الأصوات، وشكّل تحالفًا جديدًا مع الجبهة الوطنية المتحدة. وفي عام 2003، نال حزب الشعب الكمبودي نسبة 47 بالمئة من الأصوات، ولكن أعقب الانتخابات جمود سياسي طال أمده لأن حزب الشعب الكمبودي لم يحقق أغلبية ثلثي المقاعد المطلوبة في الدستور لتشكيل الحكومة وحيدًا، ورفضت المعارضة مرة أخرى الاعتراف بالنتائج. في نهاية المطاف، تم تشكيل ائتلاف آخر بين حزب الشعب الكمبودي وحزب الجبهة الوطنية المتحدة الملكي من أجل كمبوديا مستقلة ومحايدة ومسالمة ومتعاونة. وفي عام 2008، نال حزب الشعب الكمبودي نسبة 58 بالمئة من الأصوات وحصل على أغلبية الثلثين في الجمعية الوطنية. في هذا الوقت، كان دعم الجبهة الوطنية المتحدة قد تبخر وصار حزب سام رينسي حزب المعارضة الرئيسي بحصوله على 22 بالمئة من الأصوات.
وفي عام 2012، اندمج حزب سام رينسي وحزب حقوق الإنسان؛ وهما أكبر أحزاب المعارضة، لتشكيل حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي. وتميزت الانتخابات البرلمانية في عام 2013 بخسائر كبيرة مُنيَ بها الحزب الحاكم، إذ أعطت النتائج الرسمية حزب الشعب الكمبودي نسبة 48.8٪ (68 مقعدًا) وللمعارضة الموحدة حديثا 44.5٪ (55 مقعدًا). وطُرحت تساؤلات حول نزاهة العملية الانتخابية من قبل المراقبين الوطنيين والدوليين، الذين وثقوا مستويات قياسية من المخالفات[3]، لا سيما تلك المتعلقة بتسجيل الناخبين وتحديد الهوية. وادّعت المعارضة الفوز بالانتخابات ورفضت النتائج الرسمية، داعيةً إلى إجراء تحقيق مستقل في المخالفات الانتخابية وإصلاح اللجنة الوطنية للانتخابات، واتهمتها بالانحياز للحكومة. وقد أدّى ذلك إلى احتجاجات ضخمة في الشوارع وإلى نشوء أطول أزمة ما بعد الانتخابات في تاريخ كمبوديا الحديث.
ومع حلول عام 2013، كانت الإدارة العامة للانتخابات قد تحسّنت عموما مع مرور الوقت. ومع ذلك، وبعد مرور عقدين على الانتخابات التي جرت بإشراف الامم المتحدة، لا تزال العملية الانتخابية في كمبوديا تشكو من قصور في الالتزامات الدولية الأساسية في إجراء انتخابات ديمقراطية. وفي الواقع، ظلت القضايا التي قوّضت الانتخابات المتعاقبة منذ عام 1998 أساسًا دون معالجة: استقلال اللجنة الوطنية للانتخابات وتسجيل الناخبين وتسوية المنازعات، ناهيك عن البيئة العامة غير المتكافئة، ولا سيما فيما يتعلق بالوصول إلى وسائط الإعلام واستخدام موارد الدولة. وفي حين أن الانتخابات الأخيرة قد أكدت على الحاجة إلى إدخال تحسينات كبيرة في هذه المجالات، فإن الافتقار إلى الإصلاح السياسي والمستوى القياسي للمخالفات التي لوحظت في انتخابات عام 2013 قد زادا من تآكل الثقة في الإدارة الانتخابية، التي تحتاج الآن إلى إصلاح كامل.
الإطار التشريعي
توضح الأحكام الدستورية المبادئ الأساسية لإجراء انتخابات وطنية[4]، إلاّ أنها لا تعالج إنشاء وتكوين ومسؤوليات هيئة إدارة الانتخابات، ولا تشكل موضوعًا لقانون أساسي واضح. فقد تأسّست اللجنة الوطنية للانتخابات من الناحية القانونية بموجب الأحكام ذات الصلة بقانون انتخاب أعضاء الجمعية الوطنية في ديسمبر/كانون الاول عام 1997. واعتُمد مزيد من القوانين الانتخابية لاحقًا، كما تمّ إنشاء مجالس منتخبة جديدة. وبالتالي يتكوّن الإطار القانوني للانتخابات من قطع متميزة من التشريعات لانتخابات الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ والمجالس البلدية، والمجالس التي أنشئت مؤخرًا على صعيدي المحافظات والدوائر الانتخابية في غياب قانون انتخابي موحد. وتشمل الأدوات الأخرى المعمول بها، قانون الأحزاب السياسية وقانون الصحافة وقانون المجلس الدستوري.
ومنذ عام 1998، تمّ تعزيز قانون انتخاب أعضاء الجمعية الوطنية تدريجيًا من خلال إدخال تعديلات منتظمة مستمدة من الدروس المستقاة، لا سيما في عام 2002 وفي مناسبتين في عام 2006، وبذلك أُدخِلَت بعض التحسينات على الإطار العام للإجراءات الانتخابية المتعلقة بتسجيل الناخبين، وتسوية المنازعات وتكوين اللجنة الوطنية للانتخابات. لكن غياب الإرادة السياسية أعاق الإصلاح. فالتعديلات الطفيفة التي تتعلق بتسجيل الناخبين في عام 2011 فشلت في معالجة أوجه القصور الأساسية. أما بالنسبة لإدارة الانتخابات، فيحدد القانون أن اللجنة الوطنية للانتخابات هي هيئة "مستقلة ومحايدة"[5]، ولكن الأحكام المتعلقة بتشكيلها وتعيينها قد أثارت باستمرار المخاوف بشأن استقلالها الفعلي. وعلاوة على ذلك، يتمّ تفويض وظائف مهمة خاصة بالإدارة الانتخابية إلى الفروع الأخرى للحكومة.
طرق التكوين والتعيين
كان هناك نقص مستمر من الثقة في حيادية ونزاهة اللجنة الوطنية للانتخابات بين أصحاب المصلحة الانتخابية. وعلى الرغم من الإصلاحات المتتالية في تكوينها، لم يتم بعد العثور على صيغة مناسبة من شأنها أن تؤدِّي إلى مزيد من القبول بالتراضي. فهناك شواغل أخرى تتعلق بأوجه قصور في القانون تؤثر على قدرة اللجنة الوطنية للانتخابات على ضمان إدارة الانتخابات بصورة مستقلة تمامًا. فأعضاؤها يتمّ ترشيحهم من قبل وزارة الداخلية ويُعَيّنون بمرسوم ملكي صادرٍ بناء على طلب من مجلس الوزراء إثر الموافقة عليهم بأغلبية بسيطة في الجمعية الوطنية. ويهيمن حزب الشعب الكمبودي على كافة هذه المؤسسات، وليس هناك شرط لمشاورات عامة بين الأحزاب السياسية أو مع القطاعات الأخرى في المجتمع. إضافة إلى ذلك، لا تُحدّد مدة خدمة المفوضين وليسوا محميين صراحة من العزل دون سبب من قبل الجمعية الوطنية.
كما تميّز تكوين اللجنة الوطنية للانتخابات في البداية بعناصر من أحزاب متعددة، مع أحد عشر مفوضًا من مجموعة متنوعة من الأحزاب، بما في ذلك مسؤولين حكوميين وممثلين عن كل حزب سياسي ممثل في الجمعية الوطنية. ووجّهت إليها انتقادات على نطاق واسع لافتقارها الى الاستقلالية والحياد في كل من الانتخابات التشريعية عام 1998 والبلدية عام 2002، وخاصة في تعاملها مع الشكاوى. ورغم تفوّق عدد أعضاء المعارضة إلى حد كبير، إلاّ أن الصراع الداخلي ترك أثره أيضا في صنع القرار خلال الانتخابات البرلمانية المتنازع عليها عام 1998. وطالب العديد من النقاد بإجراء إصلاح من أجل إزالة النفوذ الحزبي، في حين انحاز آخرون علنًا لصالح لجنة وطنية للانتخابات متعددة الأحزاب مع ضوابط وتوازنات كافية. وقد تمّ إصلاح اللجنة قبل انتخابات عام 2003، لتتحوّل إلى مجلس إدارة أصغر "محايد"، والذي كان من المقرر اختيار أعضائه الخمسة من بين "الشخصيات من ذوي الخبرة في السياسة والخبرة في العمل ومن ذوي السمعة الحسنة"[6]. وتمّ إدخال إجراءات جديدة من أجل تعيين أعضاء لجان انتخابات مجالس المحافظات والمجالس المحلّية. وفشل التحوّل إلى هيئة إدارة انتخابات مكوّنة من خبراء في التخفيف من الاتهامات بالانحياز للحكومة من قبل أحزاب المعارضة ورقابة المجتمع المدني، في بيئة تتسم بالتحزّب والطاعة للسلطة.
في عام 2006، أُدخل تعديل جديد على القانون تمّ بموجبه توسيع عضوية اللجنة الوطنية للانتخابات من خمسة أعضاء إلى تسعة، مع إعادة بعض التمثيل للتعددية الحزبية ضمنيًا لأنها سمحت للجبهة الوطنية المتحدة وحزب سام رينسى المعارض بتعيين عضوين لكل منهما، في حين اعتبر الأعضاء الخمسة الآخرين منحازين للحزب الحاكم. لكن عمليًا، دخلت الجبهة الوطنية المتحدة كشريك في ائتلاف مع حزب الشعب الكمبودي الحاكم، فمال التوازن بنسبة سبعة إلى اثنين في معظم القرارات. وبقي تأثير ممثلي المعارضة محدودًا للغاية بعيدًا عن الوصول للإعلام، مع اتخاذ اللجنة الوطنية للانتخابات قراراتها بالأغلبية البسيطة ولوائحها الداخلية بحد أدنى من ثلاثة أعضاء ضروريين للتقدّم بأي اقتراح. وغالبًا ما ظلت لجان المحافظات واللجان المحلية التابعة خاضعة لهيمنة فروع حزب الشعب الكمبودي، تبعًا لما هو موثق من قبل المراقبين الوطنيين والدوليين[7]. وفي عام 2011، أصدرت الأحزاب السياسية الرئيسية الأخرى، غير حزب الشعب الكمبودي، دعوة مشتركة للتمثيل متعدد الأحزاب في جميع مستويات الإدارة الانتخابية، ولكن لم تؤخذ مطالبهم بعين الاعتبار[8]. وبعد انتخابات عام 2013، وضعت المعارضة شرط الإصلاح الشامل للّجنة الوطنية للانتخابات كشرط أساسي لأي تسوية سياسية.
الهيكل المؤسّسي وبناء القدرات
تُدار الانتخابات في كمبوديا بهيكلية من أربعة مستويات. في المستوى المركزي، يرأس اللجنة الوطنية للانتخابات لجنة دائمة من تسعة أعضاء: رئيس ونائب رئيس وسبعة مفوضين. وتدعمها أمانة عامة تشرف على عمل خمسة أقسام: العمليات، والإدارة، والتمويل، وقسم التدريب والمعلومات العامة، وقسم الخدمات القانونية. وقد طوّرت الأمانة العامة خبرة فنية كبيرة على مر السنين، وأثبتت قدرتها على التخطيط وتنفيذ الأنشطة الانتخابية بكفاءة، على الرغم من أنه لم يستكمل اكتشاف استخدام التقنيات الجديدة بعد حتى الآن، وخاصة فيما يتعلق بعمليات تسجيل الناخبين وإدارة النتائج. أما الهياكل ذات المستوى الأدنى والتي تستعيد نشاطها في فترة الانتخابات، فهي تتكون من 24 لجنة لانتخابات المحافظات و1633 لجنة للانتخابات البلدية. وفي الفترة ما بين الانتخابات، تحتفظ اللجنة الوطنية للانتخابات بأمانات أصغر على مستوى المحافظة وذلك لضمان الاستمرارية والإشراف على تحديثات تسجيل الناخبين السنوية.
الصلاحيات والمهام
يمنح قانون انتخاب أعضاء الجمعية الوطنية صلاحيات واسعة النطاق للجنة الوطنية للانتخابات لإعداد وإجراء العملية الانتخابية. وتشمل المهام الانتخابية الأساسية: نشر الجدول الزمني للانتخابات، وتعيين اللجان الانتخابية الأدنى والإشراف عليها، وإعداد ومراجعة قوائم الناخبين والتحقق من صحتها، وتسجيل الأحزاب السياسية والمرشحين للانتخابات، وإجراء عمليات الاقتراع والفرز، ووضع النتائج وإعلانها. وتتمتّع اللجنة الوطنية للانتخابات أيضا باختصاص "اعتماد لوائح وإجراءات وتوجيهات العملية الانتخابية في إطار القوانين المعمول بها". ولقد مارست اللجنة هذه الصلاحية بكل تأكيد في محاولة لتعزيز وتوضيح الأحكام القانونية القائمة بواسطة مجموعة من اللوائح والتوجيهات والتعليمات والمبادئ التوجيهية الشاملة، على الرغم من كونها طويلة ومجزأة.
كما تشمل مهام اللجنة الوطنية للانتخابات أيضا صلاحيات تنظيمية كبيرة تتعلّق بالمتنافسين السياسيين ووسائل الإعلام واللاعبين الآخرين. ويتعيّن على اللجنة الوطنية للانتخابات بموجب القانون اتّخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان إجراء انتخابات نزيهة، بما في ذلك مراقبة الحملات الانتخابية، وضمان المساواة في الوصول إلى وسائل الإعلام، والتدقيق في مالية الحملة الانتخابية وتسوية المنازعات الانتخابية. وبالتالي يتطلب قانون انتخاب أعضاء الجمعية الوطنية من أصحاب المصلحة الامتثال للقواعد ومدوّنات قواعد السلوك المحدّدة التي وضعتها اللجنة. رغم ذلك، يتمّ تقويض صلاحيات اللجنة الوطنية للانتخابات في تنظيم وسائل الإعلام خلال الانتخابات في حالة من عدم اليقين القانوني بشأن إنفاذ القانون وفرض العقوبات. وينطبق الشيء نفسه بالنسبة لتمويل الحملات الانتخابية، وخاصة في غياب أي قيود على المساهمات المالية أو النفقات.
وعلاوة على ذلك، فقد تمّ تفويض مهام انتخابية هامة للسلطات المحلية التي يتحكّم الحزب الحاكم بها إلى حد كبير، مما يدعو إلى الشك في الاستقلال الحقيقي للإدارة الانتخابية. ومع طرح سجل دائم للناخبين قبل انتخابات 2003، فقد ذكرت التعديلات المتعلقة بقانون انتخاب أعضاء الجمعية الوطنية أن اللجنة الوطنية للانتخابات "ستفوّض أيًا من صلاحياتها للمجالس البلدية" لأداء أنشطة تسجيل الناخبين السنوية نيابة عنها. وتحتفظ اللجنة الوطنية للانتخابات بالمسؤولية النهائية عن "مراجعة قوائم الناخبين والتحقق من صحتها" دون أن يكون لديها القدرة الفعلية على القيام بذلك. وأخيرًا، فإن القدرة على تحديد عدد المقاعد في الجمعية الوطنية وتوزيعها على الدوائر الانتخابية تقع على عاتق لجنة خاصة شكّلت من قبل مجلس الوزراء، مع ممثل واحد عن كل حزب ممثل في الجمعية، ومسؤولَين من وزارة الداخلية ومدير المعهد الوطني للإحصاء.
المسؤولية عن عمليات العدالة الانتخابية
من بين المهام الرئيسية للّجنة الوطنية للانتخابات مسؤوليتها عن "البتّ في جميع الشكاوى والطعون المتعلقة بالانتخابات، فيما عدا تلك التي تندرج تحت اختصاص المحكمة". وبالنسبة للانتخابات الوطنية، يخضع هذا الاختصاص للّجوء إلى المجلس الدستوري الذي يصدر حكمًا نهائيًا غير قابل للطعن. وأحد الجوانب الفريدة للنظام الكمبودي هو أنه يمنح اللجنة الوطنية للانتخابات صلاحيات شبه قضائية فيما يتعلق بالجرائم الجنائية المتعلقة بالانتخابات، رغم الإجراءات الجنائية الممكنة. ويفسّر اللجوء إلى هذا القرار عدم وجود ثقة في النظام القضائي بالإضافة إلى أسباب أخرى. واستكمالًا للقانون، وضعت لوائح اللجنة الوطنية للانتخابات اختصاصًا واضحًا للّجان الانتخابية الأدنى لتسوية الشكاوى الانتخابية[9]. كما وكلتها بمحاولة التوفيق بين الأطراف المعنية قبل اللجوء إلى اتّخاذ الإجراءات الرسمية، والعمل كمرشّحات هامة لمنع ازدحام الخدمات القانونية على المستوى الوطني. ويمكن استئناف قرارات اللجان أمام المستوى التالي الأعلى وصولًا إلى اللجنة الوطنية للانتخابات، وفي نهاية المطاف عرضها أمام المجلس الدستوري لمجلس الأمة ومجلس الشيوخ.
وعلى الرغم من هذه الميزات القيّمة، فإن الفصل في الشكاوى والطعون لا يزال واحدًا من أكثر الجوانب المثيرة للجدل في العملية الانتخابية. وكما هو موثق من قبل المراقبين الوطنيين والدوليين في الانتخابات الأخيرة، فقد فشل النظام القضائي الانتخابي في كمبوديا في معالجة المخالفات المزعومة الأكثر أهمية. وغالبا ما تتردّد اللجان الانتخابية الدنيا في الشروع في إجراءات مشحونة سياسيًا، نظرا للبيئة التي تعمل فيها. وهكذا يتمّ رفض العديد من الشكاوى بإجراءات مقتضبة عند نقطة الدخول، لأسباب شكلية أو بسبب "عدم وجود أدلة كافية"، أو قد يتمّ الضغط على الشاكين لقبول المصالحة حتى عند الادّعاء بحصول جرائم خطيرة. وعلى الرغم من التعديلات المتعاقبة، لا تزال هناك ثغرات كبيرة في الأحكام المعمول بها، بما في ذلك الإجراءات المعقدة للغاية، وغياب الولاية القضائية العامة للّجنة الوطنية للانتخابات من أجل التصدي للانتهاكات غير المدرجة كجرائم انتخابية على وجه التحديد، وقصر الجداول الزمنية لتقديم وتسوية تحدّيات ما بعد الانتخابات بشكل غير معقول. وأخيرا، وعلى الرغم من كفاءة خدماتها القانونية، إلا أن اللجنة الوطنية للانتخابات لا يُنظر لها كحكم محايد، لا سيما وأنها لم تفلح في فرض عقوبات على الفروع التابعة للحزب الحاكم في عدد من القضايا البارزة الأخيرة.
العلاقات الإعلامية
ردًا على العجز في ثقة المواطنين فيها، قامت اللجنة الوطنية للانتخابات في السنوات الأخيرة ببذل جهود كبيرة لتحسين استراتيجية الاتصالات الخارجية، وزيادة الاستفادة من مجموعة متنوعة من التقنيات والأدوات، لا سيما من قبل مكتب الإعلام فيها. فقد حسّنت اللجنة الوطنية للانتخابات من نشر المعلومات حول العملية الانتخابية في الوقت المناسب لجميع أصحاب المصلحة من خلال متحدث رسمي معيّن ومن خلال عقد المؤتمرات الصحفية المنتظمة، والنشرات الصحفية، والمشاركات على موقعها على الانترنت. وخلال فترات الانتخابات، يتطلب قانون انتخاب أعضاء الجمعية الوطنية من جميع وسائل الإعلام جعل خدماتها متاحة للّجنة الوطنية للانتخابات مجانًا لأغراض توعية وإعلام الناخبين. وأخيرًا، تم إيلاء اهتمام خاص من أجل إصدار أجوبة منهجية وتوضيحات لمختلف التقارير الصادرة عن مراقبي الانتخابات وشركاء التنمية ومنظمات المراقبة الوطنية، على الرغم من الطريقة الاستعلائية المتّبعة والتي قد تؤدّي لنتيجة عكسية.
وتشمل مسؤولية اللجنة الوطنية للانتخابات المتعلقة بسير الحملات الانتخابية "اتخاذ تدابير لضمان التكافؤ في الوصول إلى وسائل الإعلام العامة". كما تشمل قواعد اللجنة الوطنية للانتخابات برمجة خاصة في التلفزيون الحكومي توفّر على قدم المساواة، رغم محدوديتها، فتحات للدعاية الانتخابية للمتنافسين السياسيين. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أصدرت اللجنة الوطنية للانتخابات المبادئ التوجيهية التي تطالب جميع وسائل الإعلام بتوفير تغطية تعددية للانتخابات والامتناع عن استخدام لغة تحريضية أو هجومية. كما أُعطيَت لوسائل الاعلام الرسمية أيضا مسؤولية تطبيق مبادئ الإنصاف، والتمييز بين نشاط الحكومة ونشاط الأحزاب في التغطية الإخبارية. لكن حزب الشعب الكمبودي عمليًا، يتحكّم في معظم وسائل البثّ الإعلامي، وما زال يتلقى التغطية الساحقة. وما زالت مسؤوليات كل من اللجنة الوطنية للانتخابات ووزارة الإعلام غير واضحة في إنفاذ القانون وفرض العقوبات. وفي عام 2008، أصدرت اللجنة الوطنية للانتخابات تحذيرات لوسائل البثّ الإعلامي لكسرها قواعد الحملة الانتخابية لكنها لم تتخذ أي إجراء آخر، رغم وجود أدلة واضحة على انتهاكات مستمرة.
التمويل والاستدامة
يتم تمويل اللجنة الوطنية للانتخابات من خلال مساهمات الحكومة الكمبودية والمانحين. ويجب تقييد كافة أشكال الدعم في حساب صندوق متخصص من وزارة الخزانة الوطنية، باستثناء وحيد هو المنح الأجنبية. ومنذ أول انتخابات تُدار من قبل اللجنة الوطنية للانتخابات في عام 1998، حققت كمبوديا تقدمًا كبيرًا نحو الاستدامة المالية للعملية الانتخابية. وفي الوقت الذي كان فيه التمويل من الجهات المانحة كبيرًا على مر السنين، فقد انخفض مع كل انتخابات منذ عام 1998 إلى 2013 من نحو 80 بالمئة من الميزانية العامة إلى تبرعات عينية محدودة، نتيجة لخفض التكاليف وزيادة مساهمة الحكومة. وبين عامي 1998 و2003، تم خفض ميزانية الانتخابات إلى النصف. فقد نجمت تخفيضات التكاليف جزئيًا عن إصلاح عملية تسجيل الناخبين، من تسجيل كامل يتمّ إجراؤه من جديد قبل كل حدث انتخابي إلى سجل دائم يجري تحديثه سنويًا من قبل السلطات البلدية. وأدّى تعزيز الاستدامة المالية إلى نقل المهام الانتخابية الحاسمة إلى السلطات المحلية التي يسيطر عليها الحزب الحاكم. وزادت النفقات الانتخابية منذ ذلك الوقت، فقد طلبت اللجنة الوطنية للانتخابات ميزانية قدرها 17 مليون دولار أميركي في عام 2008 و21 مليون دولار أميركي في عام 2013. ومرة أخرى، لعب تسجيل الناخبين دورًا في ارتفاع التكاليف، تمامًا كتمديد فترات التسجيل. واستمرت المساهمات الدولية بالتضاؤل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى شعور الجهات المانحة بالإرهاق وتوقّف إصلاح النظام الانتخابي وغياب التطوّرالديمقراطي.
إدارة الإصلاح الانتخابي
بعد عقدين من المساعدة الدولية الكبيرة، ما زالت العملية الانتخابية في كمبوديا دون مستوى الالتزامات الدولية الأساسية لإجراء انتخابات ديمقراطية. في حين أن السلوك العام للعملية الانتخابية قد تحسّن عمومًا على مرّ الزمن، فقد ظلت القضايا الحاسمة التي قوّضت الانتخابات المتعاقبة منذ عام 1998 أساسًا على حالها: استقلال اللجنة الوطنية للانتخابات، وتسجيل الناخبين وتسوية المنازعات، ناهيك عن البيئة السياسية التي لا تفضي إلى تكافؤ الفرص. وكما تم توثيقه من قبل المراقبين الوطنيين والدوليين، فقد أبرزت الانتخابات البرلمانية في عام 2008 بالفعل الحاجة إلى مزيد من الإصلاح الجوهري في هذه المجالات الحيوية: فقد شهدت الحملة الانتخابية انحيازًا ساحقًا لوسائل الإعلام باتجاه الحزب الحاكم واستغلال موارد الدولة على نطاق واسع، كما حرمت عيوب تسجيل الناخبين مئات الآلاف من حقهم الانتخابي في يوم الاقتراع، وفشل نظام تسوية المنازعات في معالجة المخالفات الأكثر أهمية. وبالرغم من بذل الحد الأدنى من التعديلات على النصوص التشريعية والتنظيمية التي تحكم تسجيل الناخبين في عام 2011، فقد جاءت هذه التعديلات متأخرة جدًا ومحدودة النطاق، وفشلت في معالجة أوجه القصور الأساسية الموثقة جيدًا. ونتيجة لذلك، فقد شابت الانتخابات عام 2013 نفس العيوب الخطيرة في تسجيل وتحديد هوية الناخبين التي شابتها في الانتخابات السابقة، ولكن وصل حجمها إلى مستويات غير مسبوقة. وقد تم توثيق أثرها المحتمل على مصداقية الانتخابات بشكل جيد في النتائج التكميلية للعديد من منظمات مراقبة المجتمع المدني المنضوية في التحالف الانتخابي للإصلاح[10].
كان عدم إحراز تقدم يرجع إلى حد كبير إلى غياب الإرادة السياسية من جانب السلطات الكمبودية ومن جانب اللجنة الوطنية للانتخابات في المعالجة الحقّة لأي من التوصيات الرئيسية التي وضعت على مدى سنوات من قبل هيئات الرقابة الوطنية وبعثات المراقبين الدوليين والشركاء في التنمية على حد سواء. كما قوبلت التقارير النقدية بانتظام تقريبًا بتفنيدات رافضة، كما يتضح من الورقة البيضاء[11]التي نشرتها الحكومة في أعقاب انتخابات عام 2013. وعلى الرغم من الدور الذي قامت به اللجنة الوطنية للانتخابات في الماضي لإصلاح النظام الانتخابي، فقد تقدّمت بقراءة مقيّدة لولايتها تستبعد فيها قيامها بأي تدخّل في مناقشة التغييرات في التشريعات الانتخابية، لتحرم بذلك السلطتين التنفيذية والتشريعية من خبرة تقنية لا تعوَّض. وهكذا، ساهمت الانتخابات الأخيرة في تفاقم التشويه العام لسمعة مؤسسة صارت تعتبر الآن جزءًا مؤسسًا من المشكلة وتحتاج لإصلاح شامل.
الملاحظات
[1]منذ عام 2012، قسمت كمبوديا إداريًا إلى 1633 مجلس بلدي.
[2]اختصار (باللغة الفرنسية) للجبهة المتحدة من أجل كمبوديا مستقلة ومحايدة ومسالمة ومتعاونة.
[3]انظر أبرزها: التحالف الانتخابي للإصلاح، "التقرير المشترك بشأن إعداد وإجراء انتخابات عام 2013 في كمبوديا"، نوفمبر/تشرين الثاني 2013.
[4]يضمن الدستور حق التصويت أو الترشح في انتخابات حرة، وشاملة، وعلى قدم المساواة، ومباشرة وسرّية (المواد 34، و76)، ويحدد مدة عضوية الجمعية الوطنية بخمس سنوات (المادة 78) كما يقرّر اعتبار المجلس الدستوري أعلى هيئة قضائية لتسوية المنازعات المتعلقة بالانتخابات الدستورية (المادة 136).
[5]قانون انتخاب أعضاء الجمعية الوطنية، المادة 12 بصيغتها المعدلة في عام 2002.
[6]قانون انتخاب أعضاء الجمعية الوطنية، المادتان 12 و13.
[7]انظر تقارير اللجنة المعنية بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في كمبوديا واللجنة المحايدة والحيادية من أجل انتخابات حرة ونزيهة في كمبوديا بشأن انتخابات 2003 و2007 و2008؛ وتقرير بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات، "التقرير النهائي بشأن انتخابات الجمعية الوطنية"، 2008.
[8] توصيات حزب حقوق الإنسان، حزب الإنقاذ الوطني، وحزب سام رينسي، والجبهة الوطنية المتحدة، لإصلاح بنية لجنة الانتخابات الوطنية لبناء الثقة بين الأحزاب السياسية المتنافسة في انتخابات مايو/أيار عام 2011.
[9]باستثناء تلك المتعلقة بتسجيل الناخبين، والتي قدمت للمجالس البلدية.
[10]التحالف الانتخابي للإصلاح، "التقرير المشترك بشأن إعداد وإجراء انتخابات عام 2013 في كمبوديا"، نوفمبر/تشرين الثاني 2013. المنظمات المساهمة: الجمعية الكمبودية لحقوق الإنسان والتنمية، الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة الاجتماعية، اللجنة المعنية بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في كمبوديا، الرابطة الكمبودية لتعزيز حقوق الإنسان والدفاع عنها، المؤسسة الديمقراطية الوطنية، اللجنة المحايدة والحيادية من أجل انتخابات حرة ونزيهة في كمبوديا، مركز الشعب للتنمية والسلام (PDP- مركز بنوم بنه) ومنظمة الشفافية الدولية في كمبوديا.
[11]مكتب وحدة الصحافة والتدخل السريع التابع لمجلس الوزراء، "الورقة البيضاء بشأن الانتخابات العامة لعام 2013 للولاية الخامسة للجمعية الوطنية لمملكة كمبوديا"، سبتمبر/أيلول عام 2013.