كارلوس نافارو
عام 1988، نشبت أزمة منهجية من الثقة في النظام الانتخابي المكسيكي بعد إعلان النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل إلى حد ما. حتى ذلك الحين، كانت الانتخابات تخضع لسيطرة الحكومات المتعاقبة والمنتمية إلى حزب سياسي مهيمن والذي احتكر السلطة لمدة ما يقرب من 60 عاما.
تم الاتفاق ما بين عامي 1989 و2007 على سلسلة من الإصلاحات الدستورية والقانونية لمواجهة هذه الأزمة ومعالجة جميع مطالب وتوقعات التغيير الديمقراطي. وقد أدّت هذه الإصلاحات إلى تعديل كبير في القواعد والمؤسسات والإجراءات الانتخابية للالتزام بمعايير الدقة والنزاهة والشفافية. كما ساهمت هذه الإصلاحات في إنشاء نظام متين متعدد الأحزاب وتعزيز ضمانات وشروط هامة للمساواة في المنافسة على التصويت.
كان إنشاء المؤسسة الانتخابية الاتحادية في عام 1990 عنصرًا رئيسيًا في عملية التحول هذه. حيث وُلدت المؤسسة الانتخابية الاتحادية كهيئة عامة، دائمة ومستقلة ومتخصصة، ومسؤولة عن إجراء الانتخابات الاتحادية في المكسيك.
والمكسيك دولة اتحادية تتكون من 32 كيانًا مستقلًا (31 ولاية إضافة إلى العاصمة التي هي مكان انعقاد السلطات الاتحادية) تشكل نظامها الحكومي الداخلي. وخلال الأعوام 1946-2014، استكمل هذا الترتيب الاتحادي ملامحه حول الشروط الانتخابية، كتقسيم واضح للصلاحيات بين الاتحاد والكيانات الاثنتين وثلاثين التابعة له. فحتى عندما كانت الحكومات تتقاسم مجموعة من المبادئ المشتركة، كان لكل نظام حكومي لوائحه ومؤسساته وإجراءاته الانتخابية.
لقد أدّى هذا الترتيب المؤسّسي والقانوني وظيفته لما يقرب من سبعة عقود، إلى أن أرسى الاتفاق على الإصلاح الدستوري الذي تمّ التوصّل إليه في نهاية عام 2013 تغييرا جوهريا دخل حيّز التنفيذ منذ بداية عام 2014. ومن العناصر الأساسية في هذا التغيير، استبدال المؤسسة الانتخابية الاتحادية باالمؤسسة الانتخابية الوطنية. وللمؤسسة الانتخابية الوطنية معظم خصائص المؤسسة الانتخابية الاتحادية وبنيتها، ولكن مجال صلاحياتها أوسع.
وعلى الرغم من أن إنشاء المؤسسة الانتخابية الوطنية لا يعني إلغاء الهيئات المسؤولة عن إجراء الانتخابات في الـ32 كيانًا، فإن اسمها لا يشير بدقة للآثار المترتبة على التغييرات في الوضع القانوني والمؤسّسي. فالمؤسسة الانتخابية الوطنية ليست مسؤولة فقط عن تنظيم الانتخابات الاتحادية، ولكنها تتمتّع أيضًا بصلاحية التعاون والتدخل في الانتخابات المحلية (للسلطتين التنفيذية والتشريعية على مستوى البلديات والولايات). وكل ذلك تحكمه قوانين الأحزاب السياسية الوطنية والإجراءات الانتخابية.
وتقوم دراسة الحالة هذه بتحليل منشأ وطبيعة ونطاق المعهد الانتخابي الاتحادي وترسم بعض الآثار والتحديات الناجمة عن استبداله بالمعهد الانتخابي الوطني. وقد لعب المعهد الانتخابي الاتحادي دورا رئيسيا في عملية إصلاح وتحديث النظام الانتخابي المكسيكي خلال العقود الثلاثة الماضية، والحقيقة أنه حتى مايو/أيار عام 2014، لم تكن الموافقة على القوانين الانتخابية الجديدة ولا الإجراءات الانتخابية المشتركة بين جميع الولايات قد تمّت بعد. وسيتم فحص خصائص ونطاق النموذج الجديد لتنظيم الانتخابات، وخاصة تلك المتعلقة بصلاحيات وتنظيم المعهد الانتخابي الوطني.
كما تجدر الإشارة إلى أن النموذج المكسيكي للمؤسسات الانتخابية يعيّن الكفاءات الإدارية (لإعداد وتنظيم وإجراء الانتخابات) ويحدّد الدور الذي تلعبه الولاية القضائية (في تسوية الخلافات وتطبيق العدالة الانتخابية) لمختلف المنظمات المتخصصة في كل مستوى من مستويات الحكومة. ويركز هذا النص فقط على المؤسسة الانتخابية الاتحادية والمؤسسة الانتخابية الوطنية باعتبارهما هيئتين لإدارة الانتخابات.
الخلفية التاريخية
حصلت المكسيك، مثل معظم بلدان أميركا اللاتينية، على استقلالها من أسبانيا في بداية القرن التاسع عشر. وعلى الرغم من أن الجزء الأكبر من أول مئة سنة من سنوات الاستقلال قد تميّز بعدم استقرار سياسي عاصف عائد في حقيقة الأمر إلى أن الوصول إلى السلطة كان يُحسم في معظم الأحيان على أرض المعركة، فإن الانتخابات كانت تتمّ بانتظام، ولو كمجرد إجراء شكلي.
وقد شهدت البلاد واحدة من الثورات الاجتماعية الأولى في القرن العشرين، مستوحاة في الأصل من شعارات سياسية مثل "من أجل اقتراع فعلي، لا إعادة انتخاب". وما أن انتهى الاضطراب الذي تسببت به، حتى استقرّ نظام سياسي جديد في نهاية العشرينيات من القرن العشرين. وقد اتسم النظام بمركزية السلطة السياسية في شخص رئيس الجمهورية، وكان مبنيًا حول نظام حزب مهيمن بخصائص استبدادية حادة.
وفي حين أن العقود الأربعة التي تلت الثورة المكسيكية قد شهدت تحوّلات اجتماعية واقتصادية عميقة، فإن النظام السياسي لم يتبدّل عمليا. كان نظامًا مبنيًا على التعددية الحزبية بشكل رسمي وكانت الانتخابات تُجرى حسب الأصول، ولكن المعارضة الاسمية كانت ضعيفة جدا.
واستمرّ الأمر حتى منتصف السبعينيات حين ساهم الضغط الاجتماعي المكثف والتعبئات في إحداث أولى التغييرات الهامة في النظام السياسي. فقد فتحت الوسائل القانونية الباب أمام المشاركة السياسية وتمثيل القوى الاجتماعية المختلفة (اليسارية بشكل خاص) التي تم استبعادها بشكل منهجي من الساحة السياسية حتى ذلك الحين.
وبحلول نهاية ذلك العقد، كانت قوى سياسية جديدة قد برزت إلى الساحة وصارت المنافسة الانتخابية المتزايدة واضحة تماما. ومع ذلك، وعلى الرغم من أنه تمّ تشجيع التعددية السياسية، لم يتمّ تعديل القواعد والممارسات المتعلقة بالإدارة الانتخابية. فقد تمّ تشغيل الماكينة الانتخابية تحت مراقبة السلطة التنفيذية فقط خلال الفترات الانتخابية، وهو ما تسبب بخلق أجواء عدم الثقة. وكان تنظيم الانتخابات والنتائج التي أسفرت عنها مرادفًا للتلاعب والاحتيال بالنسبة لكثير من المكسيكيين.
لقد حوّلت هذه الظروف الانتخابات الاتحادية عام 1988 إلى مَعلم بارز. ووصلت الأزمة إلى ذروتها عندما أُعلِن عن فوز الحزب الحاكم ومرشحه، وسط تساؤلات وشكوك حول نزاهة العملية والتيقّن من نتائجها. وبالنسبة لكل القوى السياسية والجهات الفاعلة، أصبح من غير المعقول عقد انتخابات أخرى دون إصلاح شامل ودقيق للإطار القانوني والمؤسسي الناظم للمنافسة الانتخابية.
وفي هذا السياق، انطلقت دورة هامة جدا من الإصلاحات الدستورية والقانونية في الفترة ما بين 1989 و1996 للإستجابة تدريجيا للمطالب المنادية بمزيد من الشفافية والنزاهة في تنظيم الانتخابات. كما ساعدت الإصلاحات في تعزيز نظام التعددية الحزبية وضمان سياق عادل للمنافسة الانتخابية.
واتّصفت هذه المجموعة من الإصلاحات، وتلك المعتمدة في عامي 2007 و2008، بسمتين مميزتين. كانت السمة الأولى هي الشمولية، وليس من خلال إشراك جميع القوى السياسية الممثلة في الكونغرس في كامل عملية التفاوض والاتفاق، ولكن أيضا بأخذ الأفكار المقدمة من قبل المجموعات المتخصصة والمهتمة وأصحاب المصلحة ومقترحاتهم في الاعتبار. وكانت السمة الثانية النطاق الشامل واكتمال الإصلاحات التي كانت تستجيب لعدد من المطالب حول تكوين النظام.
من المهم أيضًا أن نتذكر أن المفاوضات والاتفاقات لهذه الدورة الأولى من الإصلاحات جرت من عام 1989 حتى عام 1996 عندما كان الحزب السياسي المهيمن لا يزال في السلطة، وكان يحكم السيطرة على السلطة التنفيذية ويتمتّع بأغلبية مطلقة في مجلسي الكونغرس.
إنشاء المؤسسة الانتخابية الاتحادية وصلاحياتها
أدّت الإصلاحات الدستورية والقانونية لعامي 1989-1990 إلى إدخال تعديلات جوهرية على المؤسسات والإجراءات التي تحكم الانتخابات الاتحادية في المكسيك. فقد كان إنشاء المؤسسة الانتخابية الاتحادية IFE واحدا من أهم التغييرات التي تمّ إدخالها على البنية الانتخابية المكسيكية الجديدة. والتزامًا بولاية الدستور، وإثر إصدار القانون الانتخابي الجديد في عام 1990، تمّ في نفس العام تأسيس المؤسسة الانتخابية الاتحادية كمنظمة عامة دائمة، مستقلة من حيث قراراتها ومهنية في أدائها، وهو ما يمثل تغييرا جوهريا في طبيعة الهيئة المسؤولة عن تنظيم الانتخابات الاتحادية.
وينص الدستور على أن المؤسسة الانتخابية الاتحادية يجب أن تلتزم خمسة مبادئ أساسية عند تنفيذ صلاحياتها: اليقين، والشرعية، والاستقلالية والحياد والموضوعية. وفي حين أدخلت مختلف الإصلاحات الدستورية والقانونية التي تمت الموافقة عليها خلال 20 عاما منذ تأسيس المؤسسة الانتخابية الاتحادية تغييرًا على بعض الصيغ والآليات المصممة لبنائها وتنظيمها وعملها، فقد كان القصد أساسًا من كل تغيير هو الحفاظ على تلك المبادئ أو ترقيتها.
وكان الهدف من التوسّع الكبير في صلاحيات المؤسسة الانتخابية الاتحادية من خلال إدخال الإصلاحات هو الاستجابة للمطالب التي برزت من الظروف والديناميات الجديدة في التنافس على الأصوات. وهناك الآن في جميع أنحاء العالم توقعات أكبرلأن تؤدّي القواعد والمؤسّسات الانتخابية إلى ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية، وضمان بيئة تنافسية عادلة.
وهكذا، ركّز عنصران من العناصر الرئيسية للإصلاحات الانتخابية في المكسيك على الحياد في تنظيم الانتخابات والمساواة أثناء المنافسة، وذلك ضمن الجهود الرامية إلى بناء الثقة، وتعزيز النظام الانتخابي. كما أن تشكيل هيكل المؤسسة الانتخابية الاتحادية جنبا إلى جنب مع صلاحياتها وطرق ممارستها لها لأكثر من عقدين من الزمن، هي أمثلة واضحة لهذه الإصلاحات.
إن الاستقلال الحقيقي لهيئات إدارة الانتخابات يتضمن بعدًا ماليًا متعلقًا بقدرتها على التخطيط لميزانياتها الخاصة، وتلقي وإنفاق الأموال على وجه السرعة بنفس القدر من الأهمية. وفي هذا المعنى، لا بد من لفت الانتباه إلى استقلال ميزانية المؤسسة الانتخابية الاتحادية منذ إنشائها (حيث أن الكونغرس وحده يستطيع تعديل هذا الأمر) وسخاء تمويلها العام وفي الوقت المناسب، مما مكنها من القيام بمسؤولياتها بكفاءة.
فالميزانية التي كانت المؤسسة الانتخابية الاتحادية تديرها وصارت تُدار الآن من قبل المؤسسة الانتخابية الوطنية، تأتي من الأموال العامة وحدها. فخلال انتخابات عام 2012، تم تخصيص 473.3 مليون دولار لتغطية النفقات التشغيلية العادية، و316.3 مليون دولار لتنظيم العملية الانتخابية، و392.0 مليون دولار كتمويل عام للأحزاب السياسية لتلبية النفقات العادية والحملة الخاصة بها، أي ما مجموعه 1.2 مليار دولار أميركي.
ولإثبات الإدارة السليمة للموارد، تضطر المؤسسة الانتخابية الوطنية الى التزام قواعد الشفافية والمساءلة العامة، ويشرف عليها مكتب المراقب العام، بصلاحيات واسعة لأداء واجباته. ويتم تعيين رئيس هذا المكتب بشكل مستقل من قبل الكونغرس.
ومن أجل ضمان تنفيذ المؤسسة الانتخابية الاتحادية لمسؤولياتها بطريقة مهنية، فقد نصّت تشريعات 1990 على إنشاء الخدمة المدنية الانتخابية، التي أنشئت بالفعل في عام 1992. وكان على جميع موظّفي المؤسسة الانتخابية الاتحادية في المجال التنفيذي، الذين يؤدّون المهام الرئيسية المتعلقة بالتخطيط والتنظيم وإجراء الانتخابات ومراقبتها، أن يكونوا جزءا من هذه الخدمة المدنية الانتخابية. وفي هذا الصدد، ينبغي ألاّ يتوقع المرء أية تغييرات كبيرة في المؤسسة الانتخابية الوطنية.
لائحة متزايدة من المهام والمسؤوليات
منذ إنشائها، خُوّلت المؤسسة الانتخابية الاتحادية بأداء جميع الأنشطة المتعلقة بإعداد وتنظيم وإجراء ومراقبة كل العمليات الانتخابية الاتحادية بشكل مباشر، فضلا عن الأنشطة الأخرى المرافقة قانونًا (كالمساهمة في تعزيز الحياة الديمقراطية، والحفاظ على نظام الأحزاب السياسية والمساهمة في نشر التربية المدنية).
في هذا الصدد، قد تكون أهم ميزة للإصلاحات التي تمت الموافقة عليها خلال وجود المؤسسة الانتخابية الاتحادية، هي التوسيع والتنويع المنهجي لصلاحياتها. بالإضافة إلى صلاحياتها الأساسية الانتخابية، التنظيمية واللوجستية (مثل تسجيل المرشحين واعتماد المراقبين المحلّيين والدوليين، واختيار وتدريب موظفي مواقع الاقتراع، وتصميم وطباعة وتوزيع جميع المواد الانتخابية، وتقديم النتائج الأولية والفرز الرسمي للأصوات)، كانت المؤسسة الانتخابية الاتحادية مسؤولة أيضا عن العديد من المهام الأخرى التي ورثتها المؤسسة الانتخابية الوطنية، والتي ستتم مناقشتها أدناه.
المراجعة الدورية وتعديل حدود الدوائر الانتخابية
يُعتبر تكوين مجلس النواب (الغرفة السفلى) في الكونغرس الاتحادي شكلًا من أشكال النظام الألماني ذي التمثيل النسبي المختلط العضوية، والذي يتم فيه انتخاب 300 ممثل من أصل 500 باستخدام نظام "الفائز الأول بأكثرية الأصوات" في عدد متساو من المناطق ذات العضو الواحد، موزّعين بين الكيانات الاثنتين والثلاثين للاتحاد وفقا للتوزيع السكاني. وكانت المؤسسة الانتخابية الاتحادية مسؤولة عن إجراء مراجعة دورية لتلك المناطق الثلاثمئة ذات العضو الواحد، من أجل الحفاظ على مبدأ التمثيل المتساوي. وتمارس المؤسسة الانتخابية الوطنية هذه الصلاحية بالنسبة للدوائر الانتخابية على مستوى الولايات أيضًا.
التكامل والتحديث الدائم للسجل الاتحادي للناخبين واصدار بطاقات التصويت
كانت المؤسسة الانتخابية الاتحادية، والمؤسسة الانتخابية الوطنية الآن، هما المسؤولتان عن التكامل والتحديث الدائم وتنقية القوائم الانتخابية التي يتم استخدامها في جميع الانتخابات في البلاد. كما أن التسجيل في السجل الانتخابي طوعي، لذلك يتعيّن على كل مواطن أن يقوم بالتسجيل بصورة شخصية. عند التسجيل، تصدر المؤسسة الانتخابية الوطنية بطاقة التصويت مع صورة الناخب مجانا، وهي صالحة لمدة عشر سنوات. وبما أن المكسيك ليس لديها وثيقة هوية وطنية، فإن بطاقة التصويت مع صورة الناخب عليها صارت تستخدم عمليًا كهوية للمكسيكيين. وقد تمكّن 79.5 مليون مواطن من التصويت في الانتخابات الاتحادية عام 2012.
الرقابة والإشراف على الأحزاب وتمويل الحملة الانتخابية
وضعت المكسيك خلال العقدين الماضيين واحدًا من أنظمة التمويل العام الدائم والأكثر سخاء في العالم للأحزاب السياسية. وينص الدستور على أن التمويل العام يجب أن يسود على التمويل الخاص. كانت المؤسسة الانتخابية الاتحادية، والمؤسسة الانتخابية الوطنية الآن، هما المسؤولتان عن إدارة الإعانات العامة المخصّصة للأحزاب السياسية الوطنية (ما يقرب من 400 مليون دولار أميركي في عام 2012).
في نفس الوقت، يخضع التمويل الخاص للوائح وقيود دقيقة للغاية فيما يتعلق بمصدرها ومقدارها. ونتيجة لذلك، تلتزم الأحزاب السياسية بصورة صارمة للغاية بالخضوع للمساءلة حول مصدر وإدارة واستخدام جميع الموارد التي تردها لتمويل المنظمة وتشغيلها والحملات الانتخابية، على السواء.
وكانت ممارسة الصلاحيات الفضفاضة للمؤسسة الانتخابية الاتحادية والمتعلقة بالرقابة والإشراف على تمويل الأحزاب السياسية الوطنية وكذلك تمويل الحملات الانتخابية الاتحادية، من مسؤولية المؤسسة الانتخابية الاتحادية وحدها خلال فترة وجودها. ولتحقيق ذلك، قامت ببناء واحد من أكثر الأنظمة تعقيدا وتطورا التي يمكن تخيلها. وقد أخذت المؤسسة الانتخابية الوطنية الآن على عاتقها القيام بهذه الوظيفة الهامة والحساسة والتي توسّعت بشكل كبير: فعليها الآن مهمة المراقبة والإشراف على تمويل الأحزاب والحملات الانتخابية على مستوى الكيانات الاتحادية الاثنين والثلاثين. وتشمل هذه المهام أيضا المرشحين المستقلين الذين يمكنهم الآن الترشّح والمنافسة في جميع أنواع الانتخابات، بعد أن تمّت الموافقة على الإصلاح في عام 2012.
إدارة "لفترات المخصصة للولاية" في وسائل الإعلام
كان لدى المكسيك حتى عام 2008 نظام يجمع بين الإعانة السخية للوصول إلى الإعلام المجاني (الإذاعة والتلفزيون) بدعم من الولاية، ومجموعة أساسية من اللوائح لشراء وقت إضافي في ظل ظروف متساوية. وفي عام 2008، أدخلت مجموعة من الإصلاحات الدستورية والقانونية الهامة تحوّلًا مثيرًا، إذ لم يعد مسموحًا للأحزاب السياسية ولا للكيانات الفردية أو القانونية شراء الوقت لبث أية دعاية سياسية أو دعاية انتخابية في وسائل الإعلام.
Sومنذ ذلك الحين، صار الوصول إلى وسائل الإعلام العامة أو الخاصة أو استخدامها من أجل الدعاية السياسية والانتخابية مخصّصًا للأحزاب السياسية والمرشحين. ويتم منح هذا الوصول فقط من خلال الوقت (السخي جدا) الذي توفّره الدولة في جميع محطات الراديو (حوالي 1,600) وقنوات التلفزيون (حوالي 750) التي تعمل في المكسيك..
وتقع الآن مسؤولية كافة الترتيبات والتسهيلات المشمولة في هذه الخدمة المجانية المخصّصة للأحزاب والمرشحين، والتي تخصّص الوقت اللازم أيضا للرسائل الصادرة عن السلطات الانتخابية، على عاتق المؤسسة الانتخابية الوطنية. وتطلّب تحقيق ذلك تركيب وتشغيل آلية تقنية إدارية هائلة ومتطورة للغاية ومسؤولة عن توزيع الدقائق الاثنتين وأربعين من البرمجة المتاحة للأحزاب السياسية والمرشحين، في كل يوم خلال الحملات الانتخابية، والمصادقة الفنية والتوزيع الوطني للمواد التي تنتجها الأحزاب، والتحقق من بثها في المكان والزمان المتفق عليهما سابقا، وتوليد التقارير الإعلامية المترتبة على ذلك.
تنظيم المناظرات الانتخابية
أعطى إصلاح عام 2008 للمؤسسة الانتخابية الوطنية صلاحية تنظيم مناظرتين بين المرشحين المسجلين للانتخابات الرئاسية. يتطلب الإصلاح الدستوري الأخير من التشريع الجديد وضع القواعد للسلطات الانتخابية من أجل تنظيم مناظرات إلزامية بين المرشحين لكافة الوظائف الانتخابية. بالتالي يمكن لصلاحيات المؤسسة الانتخابية الوطنية أن تمتدّ في هذه المسألة إلى ما لا يقل عن الانتخابات التشريعية.
الهيكل التنظيمي المعقد
أنشأت المؤسسة الانتخابية الاتحادية، من أجل إنجاز كامل أغراضها وصلاحياتها وفقا لصلاحياتها الجديدة والموسّعة، هيكلًا تنظيميًا واسعًا ومعقدًا، ويتوقع من المؤسسة الانتخابية الوطنية أن تحافظ عليه بل وأن تتوسع فيه، ويمكن أن نبرز فيه أربعة أنواع مختلفة من الهيئات:
- المجالس: هي الهيئات التوجيهية وهيئات صنع القرار في جميع مجالات اختصاص المؤسسة، وتتكون بطريقة جماعية
- المجالس التنفيذية: وتتكون من أعضاء الخدمة المدنية الانتخابية؛ فهي المسؤولة عن تنفيذ السياسات والبرامج والقرارات المعتمدة التي وافقت عليها الهيئات التوجيهية
- الهيئات التقنية: أجهزة متخصصة تقدم المشورة الفنية بناء على طلب من المجالات الأخرى في المؤسسة الانتخابية الاتحادية
- هيئات المراقبة: وهي لجان شُكّلت أساسا وعلى قدم المساواة من ممثلي الأحزاب السياسية، وظيفتها هي الإشراف على المهام المتعلقة بدمج وتحديث القوائم الانتخابية والتحقق منها
بالإضافة إلى مقرها في العاصمة، فقد عملت المؤسسة الانتخابية الاتحادية مع 332 مكتبًا دائمًا في جميع أنحاء البلاد (حيث لديها ممثّلين عن الهيئات التوجيهية والتنفيذية والمراقبة)، وتقوم المؤسسة الانتخابية الوطنية الآن بإدارتها بطريقة لا مركزية.
الهيئة التوجيهية الضامنة للاستقلال والحياد
يعتبر اندماج الهيئات التوجيهية وطرق صنع القرار فيها من أهم الآليات لضمان استقلال وحياد مؤسسة ما. وعلى الرغم من أن لدى كل هيئة من هيئات المؤسسة الانتخابية الوطنية تمثيل متساو للأحزاب السياسية، وتمثيل المجموعات البرلمانية في المجلس الأعلى، فإن الأعضاء الوحيدين الذين يحق لهم التصويت هم أولئك الذين ليس لهم انتماء حزبي.
والمجلس العام للمؤسسة الانتخابية الوطنية هو الهيئة التوجيهية الرئيسية لها، وقد تمّ تشكيله في أبريل/نيسان عام 2014، ويتألف من 11 عضوا لهم الحق في الكلام والتصويت، وعدد متغير من الأعضاء الذين يحق لهم المشاركة في المناقشات، ولكن لا يحق لهم التصويت. أما الأعضاء المصوتون الأحد عشر فهم رئيس المستشارين وعشرة مستشارين انتخابيين. وينتخب كل منهم كقاعدة عامة بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، بعد إجراء معقد ينطوي على مراحل مختلفة تمّ تحديدها بشكل واضح في الدستور. وتعتمد أهليتهم على تلبية بعض المتطلبات التي تضمن، أولا وقبل كل شيء، استقلاليتهم وحيادهم، ولكن أيضا قدرتهم على أداء واجباتهم. ويقضي جميع الأعضاء المصوتون مدة تسع سنوات في الخدمة ويتمّ استبدالهم على أساس متدرّج.
ويشمل الأعضاء الذين لا يحق لهم التصويت ممثلًا واحدًا عن كل حزب سياسي مسجل وطنيا (وهم سبعة حاليا)، وواحدًا عن كل مجموعة برلمانية ذات انتماء حزبي في أي من المجلسين في الكونغرس (وهم حاليا سبعة أيضا)، والأمين التنفيذي للمؤسسة الانتخابية الوطنية. ويتكون المجلس العام حاليا من 26 عضوا. وجميع دورات المجلس العام علنية وتجري في منشأة مجهزة للتغطية الإعلامية والبث المباشر على الموقع الإلكتروني للمؤسسة. ويتمّ تنظيم المناقشات، وتتخذ القرارات بأغلبية الأصوات ويصوّت الأعضاء علنا.
الاستخدام المكثف للتقنيات الجديدة
على الرغم من أن الإجراءات الانتخابية الأساسية مثل الإدلاء بالأصوات، والتدقيق وفرز الأصوات في مراكز الاقتراع (حوالي 143,000 مركزًا تمّ تركيبها في الانتخابات الاتحادية في يوليو/تموز 2012) تتم يدويا، فقد كانت المؤسسة الانتخابية الاتحادية تستخدم (والآن المؤسسة الانتخابية الوطنية) التقنيات بشكل مكثف لتنفيذ العديد من أنشطتها في العملية التنظيمية والانتخابية. وعلى سبيل المثال، يتم استخدام التقنيات لإقامة اتصال دائم بين مكاتبها في جميع أنحاء البلاد، وتوفير المعلومات في الوقت المناسب لوسائل الإعلام وكافة القرّاء المعنيين الآخرين.
وبالإضافة إلى المنصة التقنية المثيرة للإعجاب والمستخدمة في الإدارة المتكاملة لأوقات البث للولاية، فهي تستخدم نظمًا بيومترية في التحقق من الهوية لإنشاء السجل الانتخابي وإنتاج بطاقات تصويت مع صورة (التي لها هي أيضا إجراءات أمنية منظورة وأخرى غير منظورة مما يجعلها غير قابلة للتزوير أو التعديل). ومن الاستخدامات الرئيسية الأخرى للتقنيات الجديدة تصميم وتشغيل إنترانت مخصّص لإعلان نتائج الانتخابات التمهيدية في الوقت الحقيقي على أكثر من 25 موقعًا من المواقع العامة.
تعليقات ختامية
إن طبيعة الهيكل الانتخابي المكسيكي، والمؤسسة الانتخابية الاتحادية بصورة خاصة (والآن المؤسسة الانتخابية الوطنية) وتنظيمها وصلاحياتها، هي أمثلة واضحة عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه الجهود (واللوائح) لضمان شفافية ووثوقية ومصداقية الانتخابات ونتائجها في بيئة يمكن وصفها بالانعدام المنهجي للثقة، وهذا واضح ولا سيما بين المتنافسين الرئيسيين.
فبعد ما يزيد قليلا عن 20 عاما على إنشائها، وبعد إجراء ثمانية انتخابات فيدرالية (أربعة انتخابات عامة وأربعة انتخابات للتجديد النصفي) تمكّنت المؤسسة الانتخابية الاتحادية من خلق جوّ كامل يعتمد على الحياد والدقة والمهنية التي نفّذت بها جميع صلاحياتها ومسؤولياتها. وفي هذا الصدد، فقد ساهم وجود المؤسسة الانتخابية الاتحادية كثيرا في تعزيز ونشر قواعد الديمقراطية ومؤسساتها وقيمها وممارساتها.
من هذا المنظور، كان من المستغرب جدا أن يتناول الإصلاح الدستوري الذي وافق عليه الكونغرس في نهاية عام 2013، كجزء من توافق واسع بين الحكومة الاتحادية والأحزاب السياسية الرئيسية، وأن يستبدل المؤسسة الانتخابية الاتحادية بالمؤسسة الانتخابية الوطنية، بل ويغيّر أيضا بطريقة لافتة وغير تقليدية الأسس التي يرتكز إليها نموذج توزيع الصلاحيات بين الاتحاد والكيانات الاتحادية الاثنين والثلاثين في هيكليتها وطريقة تنفيذها في الميدان السياسي والانتخابي.
يعتقد معظم المحللين أن ذلك لم يكن سوى إصلاح ضلّ طريقه. والفكرة الأصلية الكامنة وراء ذلك، حتى لو كانت قابلة للجدل، كانت فكرة منطقية وهي تخويل هيئة واحدة مسؤولية إجراء جميع الانتخابات واستطلاعات الرأي الشعبية في البلاد. قد يخدم هذا التغيير في تجنب الازدواجية الإدارية وازدواج الميزانية وضمان التجانس والحياد في إدارة جميع العمليات الانتخابية. علاوة على ذلك، وعلى النقيض من الإصلاحات السابقة لعامي 1989-1990، لم يحل هذا الإصلاح أية مشكلة حقيقية أو يعالج القصور الذي تم تحديده بشكل واضح، وإنما كان نتيجة للمفاوضات الصارمة والمقايضات بين الجهات الفاعلة السياسية الرئيسية.
لقد تمّ اعتماد نموذج هجين لإدارة الانتخابات لا سابق له بين الولايات الاتحادية، مع الإصلاح الدستوري الجديد. ويتطلب هذا النموذج من القانون توضيح وتحديد نطاق كفاءات المؤسسة الانتخابية الوطنية وصلاحياتها في التعاون مع السلطات الانتخابية المحلية الاثنتين والثلاثين. وهناك أيضا عامل مشدد لا يعطي للسلطة الوطنية صلاحية اختيار الأعضاء المقترعين في أعلى هيئات صنع القرار في الكيانات المحلية فحسب، بل يتيح لها أن تتولّى مباشرة المهام المتعلقة بتنظيم الانتخابات في الولايات، فضلا عن التعامل مع المسائل القانونية المتعلقة بهذه الانتخابات مما قد يتطلب تدخلها أو تشكيل سابقة قضائية.
في كل الأحوال، فقد وسّعت المؤسسة الانتخابية الاتحادية، أثناء وجودها، نطاق صلاحياتها بصورة منهجية. وقد استمرّ هذا المنطق، مع إنشاء المؤسسة الانتخابية الوطنية، وبشكل أعم، مع اعتماد النموذج الجديد للإدارة الانتخابية للاتفاق الاتحادي، ومن المرجح أن يتم تكثيفه وتعزيزه.
وهكذا فإن النموذج المكسيكي قد يكون مثالا ممتازا لإجراء تقييم معمّق وصارم للتحديات والمخاطر الكامنة وراء توسيع اللوائح الانتخابية وجعلها أكثر تطورا (وخاصة تلك المتعلقة بالتنافس على الأصوات، مما قد يتضمّن لعب دور "الحكم" أكثر من الدور الإداري)، وبالتالي، يوسّع نطاق صلاحيات السلطة المسؤولة عن وضعها موضع التطبيق أو يضمن امتثالها لهذه اللوائح.
ولا يزال من المفارقات ألّا يكون للمؤسسة الانتخابية الاتحادية في وقتها، ولا المؤسسة الانتخابية الوطنية حاليا كسلطة وطنية، أية صلاحية رسمية للمشاركة في عملية إنشاء أو إصلاح الأحكام القانونية في المسائل الانتخابية، بمثل ما تقوم بذلك هيئات إدارة الانتخابات الأخرى في المنطقة. هذا، على الرغم من النموذج المنظم والمتطوّر بشدّة للإدارة الانتخابية ومنافسة النظام المكسيكي، الذي لديه كوكبة ضخمة من الهيئات الانتخابية الدائمة التي تتمتّع بالاستقلال وعلى درجة عالية من التخصّص.